الماضي لـ"أخبار الأردن": محاولات لاستدراج الأردن إلى المجهول
قال أستاذ علم الاجتماع السياسيّ الدكتور بدر الماضي إن الأردن لم يكن عبر مسيرته التاريخية والسياسية، بمنأى عن حملات التشويه والتشويش التي استهدفت مواقفه، سواء في القضايا الداخلية أو الإقليمية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن السبب الجوهري لهذا الاستهداف المستمر يعود إلى المصداقية السياسية والأخلاقية التي تميز بها، مقابل بيئات مأزومة اعتادت أن تتكئ على الشعبويات الجوفاء، وأن تُغذّي قواعدها بخطابات تضليلية، متوسلة المبالغة والشعارات العاطفية، دون أن تمتلك أي قابلية لإنجازٍ فعلي أو تحقيقٍ واقعي.
مدرسة سياسية نقيضة لخطابات المزايدة
وبيّن الماضي أن الأردن، انتهج في تعاطيه مع الأحداث الكبرى، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي، مدرسةً متفردة تقوم على الوضوح والشفافية والواقعية السياسية، وهي مدرسة أسست لمقاربة عقلانية لم ترق للتيارات الشعبوية، التي تستمد شرعيتها الزائفة من الاتجار بالشعارات القومية والدينية، ففي قلب هذه المدرسة، بقيت القضية الفلسطينية حجر الزاوية، غير أنّ الأردن دافع عنها ضمن أطر قيمية وأخلاقية راسخة، لا ضمن قوالب أيديولوجية مغلقة تسعى إلى إدامة الصراع من أجل شرعنة حكم هنا أو إطالة سلطة هناك.
واقعية في بيئة مأزومة
وذكر أنّ هذه الواقعية الأردنية، القائمة على الانضباط السياسي والخلق الدبلوماسي، خلقت - بحكم التناقض مع الشعبويات - بيئةً من الاستعداء غير المبرّر، إذ إنّ الأردن رفض أن يهبط إلى مستوى المهاترات الإعلامية أو أن يرد على الشتائم بالشتائم، مكتفيًا بممارسة أعلى درجات الضبط النفسي والسمو السياسي، غير أنّ هذا الانضباط ذاته أُسيء فهمه، فاعتبره البعض فرصة للتمادي في الإساءة، مطمئنين إلى أن الأردن لن ينجرّ إلى ذات المنزلقات.
تضخيم الاتهام واستهداف الدور الأردني
ولفت الماضي الانتباه إلى أن السابع من أكتوبر وما تلاه جاء ليشكّل محطة فارقة في مسار هذا التشويه؛ إذ وجد بعض الخطاب الإعلامي الشعبوي ضالته في تحميل الأردن وحده مسؤولية ما جرى في غزة أو ما يجري في الأراضي المحتلة، وقد امتنع هؤلاء، عن عمد، عن توجيه انتقاداتهم إلى دول أخرى، مدركين أنّ تلك الدول لن تتوانى عن الردّ القاسي، بينما الأردن -المشهود له بالصبر السياسي - يفضّل أن يستعيض عن المهاترات بعمل جاد وممنهج يخدم الشعب الفلسطيني بعيدًا عن الضوضاء، وهكذا، تراكمت حملات التضليل حتى باتت تشكل عبئًا على النظام السياسي من جانب، وعلى المواطن الأردني الذي يجد نفسه محاصرًا بسيل من الادعاءات الملفقة من جانبٍ آخر.
الحاجة إلى خطاب مضاد
وأشار إلى أنه يغدو لزامًا على الدولة الأردنية أن ترتقي في إدارة هذا الاشتباك الإعلامي، عبر تبني خطة استراتيجية محكمة في مجال الإعلام التقليدي والفضاء الرقمي على حد سواء، تقوم على إنتاج رواية حقيقية مؤطرة، تسرد الوقائع بعمق وتقدّم الحقائق للرأي العام العربي والدولي بعيدًا عن التشويه المقصود، مضيفًا أنّ الوعي الجمعي الأردني، والحسّ الاستراتيجي لمؤسسات الدولة، لا بد أن يلتقيا في رسم خطاب مضادّ يواجه التضليل الممنهج ويحصّن الداخل الأردني من الانجرار وراء حملات الزيف.
خطورة الاستدراج إلى الانتحار السياسي والأمني
وأردف الماضي أن الأخطر من كل ذلك، عدم اكتفاء بعض الأطراف بمحاولات التشويه فحسب، فهم يسعون حثيثًا إلى جرّ الأردن إلى أتون صراعٍ مباشر، أو استدراجه إلى حالة من "الانتحار السياسي والأمني"، فإذا ما أقدم الأردن على خطوات غير محسوبة استراتيجيًا أو أمنيًا، فإنّ ذلك سيُسعد خصومه، الذين يتمنون رؤيته نموذجًا منهارًا وممزقًا، لا لشيء إلا لإشباع نزعات شعبوية وتلبية حسابات إعلامية غير مهنية، فاقدة للحد الأدنى من الأخلاقية.

