إلزام القوات المسلحة بدفع دية شرعية
أيّدت المحكمة العليا الشرعية في قرارها رقم 67 لسنة 2025 الصادر بتاريخ 23/6/2025 حكم المحكمة الشرعية القاضي بإلزام المدعى عليها (القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية) بدفع الدية الشرعية للمدعيين المقدرة بمبلغ تسعة عشر ألفا وتسعمائة واثنان وثلاثين دينارا ونصف.
وتتلخص حيثيات هذه القضية، وفق المحامي محمد المجالي، بأن (المدعيين) قد أقاما هذه الدعوى على (المدعى عليها) وموضوعها المطالبة بالدية الشرعية) لدى المحكمة الشرعية، وقد أسسا دعواهما على أنهما الوارثان الوحيدان لابنهما المرحوم (ي) المتوفى بموجب حجة حصر الإرث الصادرة عن المحكمة الشرعية، وان وفاة المرحوم (ي) كانت بسبب تعرضه لانفجار لغم عائد للجهة (المدعى عليها) وذلك أثناء تواجده في منطقة أم القطين في المفرق نتيجة عدم اتخاذ الجهة (المدعى عليها) الاحتياطات اللازمة وعدم وضع الأسلاك الشائكة حول الألغام وعدم وضع التحذيرات الكافية والتدابير اللازمة لوقوع مثل هذه الحوادث وبذلك تكون هي المسؤولة والمتسببة في وفاة المرحوم وملزمة بدفع دية المرحوم (ي) وقد صدر قرار تمييزي مفاده إن القوات المسلحة هي المسؤولة عن الأضرار الناجمة عن انفجار القنبلة وإصابة المرحوم (ي) ووفاته وملزمة بدفع التعويض للمدعيين عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابهما.
وقالت المحكمة العليا الشرعية في معرض ردها على أسباب النقض ما يلي:
((1. إن ما ينعى به الطاعن (وكيل المدعى عليها) في السببين الأول والحادي عشر من أسباب الطعن بشان الدفع بعدم سماع الدعوى لمرور الزمن فان الثابت من أورق الدعوى أن واقعة انفجار اللغم التي أدت إلى وفاة المرحوم (ي) وقعت في (26 /5/2000)، وقد أقيمت الدعوى بتاريخ (24/1/2014) أي قبل انقضاء مدة مرور الزمن، ثم وفي تاريخ (11/9/2014) أسقطت الدعوى وأعيد تجديدها في (17/1/2022) وحيث إن المطالبة القضائية تعد قاطعة لمرور الزمان المانع من سماع الدعوى وبإسقاط الدعوى تبدأ مدة جديدة وان المدة الفاصلة بين تاريخ إسقاط الدعوى وتجديدها تبلغ ثماني سنوات وعملا بالمادة 461 من القانون المدني والتي تنص على:(إذا انقطعت المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بدأت مدة جديدة كالمدة الأولى) كما وينقطع التقادم بالمطالبة القضائية بالحق وفقا للمادة 460 من ذات القانون والتي تنص على:(تنقطع المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بالمطالبة القضائية أو بأي إجراء قضائي يقوم به الدائن للتمسك بحقه) وبناء على ذلك وحيث إن الانقطاع يرتب سريان تقادم جديد وان المدة المقررة للتقادم هي خمس عشرة سنة وفقا للمادة 449 من ذات القانون ولم تنقض هذه المدة من تاريخ آخر إجراء قاطع للتقادم فان الدفع بعدم سماع الدعوى قبل مرور المدة المقررة له قانونا لا يرد على هذه الدعوى مما يتعين معه رد هاذين السببين.
2. وعن أسباب الطعن الثاني والثالث والرابع من عدم جواز إقامة دعوى الدية بمواجهة الحكومة لأن الدية عقوبة ومؤسسات الدولة ليس لها مسؤولية جزائية، وأن دعوى الدية ليست من الدعاوى الواردة في المادة (5) من قانون دعاوى الحكومة، فيجاب عليه أن الدية وفقا للأحكام العامة لا تعد عقوبة جزائية بالمعنى الذي أشارت إليه الجهة الطاعنة إذ لو كانت كذلك لما كان من اللازم على المجني عليه أو ورثته الشرعيين المطالبة بها ضمن دعوى مستقلة عن الدعوى الجزائية العامة التي تتولاها النيابة العامة نيابة عن المجتمع فالعقوبة الجزائية تفرض بحكم القانون ولا تحتاج إلى إقامة دعوى مدنية كما لا تسقط بالإسقاط في حين أن الدية يتولى المطالبة بها المتضرر أو ورثته الشرعيين في دعوى مستقلة وتخضع لما تخضع له سائر الحقوق المدنية من إثبات وبينات معتبرة شرعا والدية في حقيقتها تعد تعويضا مدنيا عن الضرر الذي لحق بالمجني عليه أو ذويه نتيجة الجناية على النفس وهي من مصادر الالتزام في القانون وقد نظمها المشرع ضمن أبواب الأحوال الشخصية وقد أكدت المذكرة الإيضاحية للمادة 267 من القانون المدني هذا المفهوم حيث جاء فيها: ليس المقصود بالتعويض مجرد إحلال مال محل مال بل يدخل في الغرض منه المواساة إن لم تكن المماثلة ومن اظهر التطبيقات على ذلك الدية والأرش فليس احدهما بدلا عن مال أو عما يقوم بمال كما وان دعوى الدية هي دعوى حقوقية يطالب فيها المدعي بالتعويض عن الفعل الضار المتمثل في الجناية على النفس وهي من قبيل دعوى الضمان ولا صلة لها بالمسؤولية الجزائية كما أن المؤسسات العامة تتحمل هذه المسؤولية عند توافر شروطها وأما قانون دعاوى الحكومة المشار إليه فقد ألغي اعتبارا من تاريخ (28/12/2017) بموجب صدور قانون إدارة قضايا الدولة والذي أصبح هو القانون الواجب التطبيق مما يتعين معه رد هذه الأسباب.
3. وعن أسباب الطعن الخامس والثامن والتاسع بشان خلو حكم محكمة الاستئناف من التعليل تجد هذه المحكمة أن هذا النعي غير سديد إذ إن محكمة الاستئناف قد تناولت أسباب الاستئناف المطروحة أمامها بالمعالجة الوافية وجاء حكمها معللا تعليلا سائغا وكافيا لحمل النتيجة التي انتهت إليها الأمر الذي لا يعيبه بأي قصور في التسبيب مما يتعين معه رد هذه الأسباب.
4. وعن السبب السادس من أسباب الطعن حول عدم جواز تحميل الدية للقوات المسلحة بناء على مسؤولية المتبوع عن التابع فإنه لا يرد على الحكم ذلك أن كلا من المحكمتين الابتدائية والاستئنافية لم تستندا في إسناد المسؤولية إلى هذه القاعدة وإنما على أساس المسؤولية التقصيرية المبنية على الفعل الضار تطبيقا لنص المادتين (256) و (291) من القانون المدني فقد نصت المادة (256) (كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر) والمادة (291) نصت على (كل من كان تحت تصرفه أشياء تتطلب عناية خاصة للوقاية من ضررها أو آلات ميكانيكية يكون ضامنا لما تحدثه هذه الأشياء من ضرر إلا ما لا يمكن التحرز منه هذا مع عدم الإخلال بما يرد في ذلك من أحكام خاصة) مما يتعين معه رد هذا السبب.
5. وعن السبب السابع من أسباب الطعن حول كيفية دفع الدية فيما إذا كانت بالتساوي أو بالتضامن والتكافل فهو نعي غير سديد ذلك أن المسؤولية التقصيرية في هذه الدعوى قد ثبتت في جانب الطاعن وحده دون أن يثبت وجود أطراف آخرين مشاركين في إحداث الفعل الضار وبالتالي لا محل لإثارة مسالة التضامن والتكافل في كيفية دفع الدية مما يتعين معه رد هذا السبب.
6. وعن السبب العاشر من أسباب الطعن حول إجراءات الخبرة والطعن بعدم صحتها فهو نعي غير سديد ذلك أن مهمة الخبيرين اقتصرت على تقدير مقدار الدية بالاعتماد على سعر الفضة كأساس للتقدير وفقا للأسعار السائدة في السوق بالدينار الأردني بتاريخ إجراء التقدير وقد التزم الخبيران بنطاق المهمة الموكلة إليهما ولم يتجاوزاها مما يتعين معه رد هذا السبب.
7. وعن السبب الثاني عشر من أسباب الطعن من أن الطاعن حرم من تقديم إجابته على الدعوى وإبداء دفوعه فيها فهو نعي غير سديد ذلك أن الثابت في محاضر ضبط الدعوى أن الطاعن في جلسة (5/12/2022) قدم لائحة خطية ضمنها طلباته ودفوعه على الدعوى مما يتعين معه رد هذا السبب.
فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وتأييد الحكم المطعون فيه ورد أسباب الطعن لعدم ورودها وإعادة الدعوى لمصدرها لإجراء الإيجاب)).

