البطالة في الأردن: أزمة تتكرر وشباب لا يستسلم
غيث عارف الدعجة
قال جلالة الملك الحسين بن طلال، رحمه الله:
“في الأردن بطالة، وفي الأردن جوع، وبالمقابل في الأردن كرامة وكبرياء.”
تعكس هذه الكلمات الواقع الصعب والتحديات التي يواجهها الشاب الأردني، لكنها في الوقت نفسه تُجسّد روح العزيمة والإصرار التي يتمتع بها شباب الوطن.
يبدأ حلم كل شاب منذ الطفولة، برغبةٍ صادقة في تحقيق حياة كريمة، تتجسّد في وظيفة مستقرة، وبيت صغير يجمعه بمن يحب، وسيارة يفتخر بأنها من عرق جبينه.
أحلام بسيطة… لكنها أصبحت في واقع اليوم أقرب إلى رفاهية بعيدة المنال.
لكن يبقى السؤال المؤلم: لماذا تتحوّل هذه الأحلام البديهية إلى تحديات قاسية في مجتمعنا، بينما تُعتبر في مجتمعات أخرى من أساسيات الحياة التي لا يُسأل عنها؟
لعلها تعود إلى تراكمات اقتصادية، أو ظروف معيشية صعبة، أو حتى خلل في التوازن بين التعليم وسوق العمل.
إنّ دور الشباب في بناء المجتمعات لا يمكن إنكاره، فهم الركيزة الأساسية لأي نهضة حقيقية.
لكن حتى يتمكنوا من القيام بدورهم كما يجب، لا بدّ من خلق بيئة داعمة، وتوفير فرص عمل حقيقية تليق بطموحاتهم.
لا يمكن أن نطلب من الشباب أن يحملوا الوطن وهم لا يجدون موطئ قدم فيه.
فبناء مجتمع ناجح لا يتحقق بالشعارات، بل بتمكين حقيقي يجعلهم شركاء في التغيير، لا مجرد متفرجين عليه.
بحسب دائرة الإحصاءات العامة، بلغ معدل البطالة في الأردن 22.4% خلال عام 2024، ووصلت بين فئة الشباب إلى أكثر من 46%، وهي أرقام صعبة لا يمكن تجاهلها في بلد يعتمد على شبابه.
في ظل هذا الواقع، لا يمكن إنكار الجهود التي يبذلها سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، الذي عبّر في أكثر من مناسبة عن التزامه بقضايا الشباب، مؤكدًا أنهم “أولويته الأولى” في بناء الأردن الحديث.
أُطلقت مبادرات ومؤتمرات عديدة تهدف إلى دعم الريادة والابتكار وتطوير المهارات الرقمية، ولكن التحدي الأكبر ما يزال في تحويل هذه المبادرات إلى نتائج ملموسة يشعر بها الشاب على أرض الواقع.
البعض يجد نفسه محاصرًا بين شهادات جامعية لا تؤهله لسوق العمل، وبين فرص ضئيلة لا تمنحه الحد الأدنى من الأمان والاستقرار.
ومع ذلك، ما زال في هذا البلد شباب يرفضون الاستسلام، ويُصرّون على صنع فرصة في وجه العجز.
في النهاية، لا يمكننا أن نلقي اللوم على شخص أو جهة بعينها، لأن مواجهة تحديات المجتمع — وعلى رأسها البطالة — هي مسؤولية جماعية.
فهذه القضية ليست مجرد رقم، بل مفتاح لحل نصف مشاكل المجتمع، إن لم يكن أكثر.
ومع الجهود المتواصلة من جلالة الملك وسمو ولي العهد، فإننا نملك الإرادة والعزيمة لنمضي من هذه المحنة إلى أفق الحل، ونوجد طريقًا للنهوض بهذا البلد بما يليق بشبابه وقدراته

