ألعوبة يمارسها الاحتلال في غزة
قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور الحارث الحلالمة إنه في ظل احتدام الميدان وتفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، يتجه الاحتلال الإسرائيلي لاستخدام ورقة المساعدات الإنسانية كأداة ضغط على المفاوض الفلسطيني، في محاولة لانتزاع تنازلات إضافية قبل إتمام ما يبدو أنها صفقة قيد التبلور، يُرجّح أن تُعرض رسميًا قبل نهاية الشهر الحالي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن معظم القضايا الخلافية الجوهرية قد جرى تجاوزها أو تحييدها، باستثناء مسألة ترسيم الحدود، التي طُرحت هذه المرة من خلال قناة قطرية، ما يُضفي على المبادرة بعدًا جديدًا، فتقديمها بأيادٍ قطرية يُفهم ضمنيًا على أنها تُعبّر عن موقف فلسطيني مقاوم، يحظى بقبولٍ نسبي من مختلف الأطراف، في ظل تصاعد وتيرة الخطاب الأمريكي المنزعج من الأداء الإسرائيلي المتعنّت.
وبيّن الحلالمة أن الإدارة الأمريكية، التي وُضعت في موقف حرج نتيجة استمرار الحرب ومشاهد المجازر، تبدو مضطرة لتعديل موقفها التقليدي الداعم غير المشروط لتل أبيب، في محاولة لإعادة التوازن الأخلاقي والدبلوماسي في المشهد الدولي، خصوصًا مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية.
في المقابل، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحصول على غطاء سياسي من الكنيست قبل أن يُقدم على أي خطوة تفاوضية جوهرية، بهدف تحييد ضغوط تيارات اليمين المتطرف التي تُهدد بإسقاط حكومته في حال التوصل إلى اتفاق، وفقًا لما قاله.
وذكر الحلالمة أن نتنياهو يُراهن على تمرير اتفاق يُخفف من حدة الانتقادات الموجهة إليه، دون أن يُثير غضب حلفائه في الداخل، وهو ما يجعلنا أمام مشهد ضبابي لا يزال مفتوحًا على احتمالات متعددة، رغم أن المؤشرات السياسية والميدانية توحي بأننا نقترب من تفاهم مرحلي مؤقت، لا من اتفاق نهائي شامل.
في هذا السياق، تتسرب معلومات عن مخطط إسرائيلي لإنشاء ما يسمى "المدينة الإنسانية"، التي يُخطط لإقامةها على أنقاض مدينة رفح، وتُخصص لاستيعاب نحو 600 ألف فلسطيني، في خطوة يرى البعض أنها قد تكون مقدّمة لتغيير ديموغرافي خطير، يُنفذ تحت غطاء إنساني.
ونوّه الحلالمة إلى أن مستقبل هذه الخطط مرتبط بمدى فعالية الموقف العربي، خاصة في ما يتعلق بالضغط على الولايات المتحدة لضمان تمكين السلطة الفلسطينية من استعادة السيطرة على القطاع، وإنهاء الذرائع الأمنية الإسرائيلية التي لطالما استخدمت لتبرير الحصار والتصعيد.
واستطرد قائلًا إن المفاوض الفلسطيني يدخل هذه المرحلة وهو في أضعف حالاته التفاوضية، بعدما استُنزفت معظم أوراق الضغط السياسي والدبلوماسي، وما يُحركه الآن ليس توازن القوى، وإنما شعور طاغٍ بالحاجة إلى وقف المجازر واحتواء الكارثة الإنسانية المتفاقمة.
ورغم أن الاحتلال يواصل محاولاته للاستثمار في الوضع الإنساني القاسي كوسيلة لفرض شروطه، إلا أن أي اتفاق يُفرض بهذه الطريقة سيبقى هشًا، ويُغذي شعورًا عميقًا باللاعدالة، ما يُنذر بعدم صموده طويلًا.

