صيام: لقاء مرتقب بين نتنياهو والشرع
قال أستاذ العلاقات الدولية في واشنطن، الدكتور عصام صيام، إنّ زيارة بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن أسقطت مراهنة من يُتوهَّم بوجود خلاف جوهري بين نتنياهو ودونالد ترامب.
وأوضح صيام في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا الرهان، في حقيقته، ليس إلا ضربًا من الجنون السياسي وسوء تقدير يرقى إلى مستوى الرعونة في فهم طبيعة المشروع الأمريكي - الإسرائيلي المتشابك.
وبيّن صيام أنّ الاعتقاد بأن ترامب يسعى حثيثًا إلى وقف نزيف الدم الفلسطيني في غزة يُعدّ ضربًا من المكابرة التي تُجافي حقائق التاريخ والجغرافيا والسياسة مجتمعة، فقد كشفت مجريات المفاوضات الدائرة في الدوحة - بكل ما يكتنفها من تعقيدات وضغوطات مكشوفة - عن تواطؤ تجاوز كلّ توصيف، لتلامس حدود الإبادة الممنهجة.
وأردف أن هذه المفاوضات تجري في أجواء لا تُوصف إلا بأنها ابتزاز سياسي موجه تحديدًا إلى قيادة حركة حماس، وفي القلب منها الأستاذ خليل الحية، بقصد انتزاع تنازلات جوهرية.
أما ما تسرب من كواليس تلك الزيارة الأخيرة فيشير بوضوح إلى أنّ ثمّة ضغوطًا عربية مكثّفةً مورست على دونالد ترامب لدفعه نحو إعلان وقف لإطلاق النار، غير أنّ هذه الضغوط لا تنبع من إرادة حقيقية لوقف حمّام الدم في غزة، وإنما تهدف في جوهرها إلى تهيئة الأرضية لتوقيع اتفاق تطبيع أولي بين إسرائيل وسوريا، وفقًا لما قاله.
وأشار إلى أنّ هذا الاتفاق يتضمن قبول نتنياهو بالتنازل عن ثلثي الجولان المحتل، مقابل إقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري، فيما لم يتّضح بعد موقف دمشق من مطلب إسرائيلي بتسليم قائمة بأسماء من تبقّى حيًّا من الفدائيين الفلسطينيين، ممن شاركوا في عمليات تاريخية، كعملية الشراع التي نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة عام 1987.
ولفت صيام الانتباه إلى أن لبنان مرشحٌ لأن يلتحق بركب التطبيع مباشرةً بعد سوريا، يضاف إليهما سلطنة عُمان، مع محاولة توسيع رقعة "الاتفاقيات الإبراهيمية" بحيث تُصبح تلك الاتفاقيات مظلة تُتيح للرياض الولوج إلى مسار التطبيع دون الاضطرار لإثارة ملف الدولة الفلسطينية المستقلة.
وفي مقابل هذا الخط، تمارس دولة عربية ضغوطًا مضادةً ولكن في اتجاه مختلف؛ فهي تعتبر أنّ وقف إطلاق النار دون اجتثاث حركة حماس يُعدّ بمثابة انتصار معنوي وسياسي لمحور الإخوان المسلمين، ولهذا، تضغط أبوظبي باتجاه تكثيف الهجمات الإسرائيلية على غزة، مع تقديم دعم خاص لجماعة "ياسر أبو شباب"، بهدف تقليل الخسائر في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر تفعيل أذرع محلية بديلة.
ويبدو أنّ تلك الضغوط السعودية هي ما يفسر ما أعلنه ترامب لاحقًا عن تفاؤله بالتوصل إلى هدنة مؤقتة لمدة ستين يومًا، دون أن تكون وقفًا نهائيًا للقتال، في مسعى يهدف إلى تحقيق اختراق سياسي عبر توقيع اتفاق تطبيع واحد - على الأقل - خلال هذه الهدنة الهشة، وفقًا لما صرّح به صيام.
وأشار إلى أن رئيس جهاز الموساد التقى الرئيس السوري أحمد الشرع في الإمارات، لمناقشة نسب الأراضي التي ستظل تحت السيادة الإسرائيلية في الجولان، إضافة إلى بحث احتمال دفع سوريا رسميا - بتحريض مباشر من إسرائيل - إلى تبني موقف يعتبر مزارع شبعا أراضي سورية وليست لبنانية، بل وربما المطالبة بأجزاء واسعة من طرابلس، بما يمهّد لخلط الأوراق الإقليمية على نحو غير مسبوق.
وأردف صيام أن هناك ترتيبات ومداولات عابرة للعواصم - من دمشق وأبوظبي والرياض، مرورًا بواشنطن وصولًا إلى تل أبيب - يُشارك فيها الشرع في محاولة لفرض استسلام سياسي على الفلسطينيين وإبرام اتفاقيات تطبيع تلوّثها دماء النساء والأطفال في غزة.
ويزيد من وقع الصدمة أنّ الشرع، الذي صرّح يومًا في مقابلة قديمة أنّه تربّى على فكر وأدبيات كتاب "معالم في الطريق"، لم يُفصح صراحةً عن أي طريق يقصد، وإن بدا اليوم أنّ الطريق الذي يسلكه بات ينحدر مباشرةً نحو هاوية التطبيع تحت رايات محتلي الجولان والقدس.

