مأزق الريف الأردني.. إلى من يهمه الأمر

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الخبير الاقتصادي جواد مصطفى إن مأزق الريف الأردني لا يُعالج بقرارات جزئية أو حلول ترقيعية، ذلك أنه يحتاج إلى رؤية استراتيجية تُعيد الاعتبار لدور القرية بوصفها فضاءً إنتاجيًا متكاملًا، لا مجرّد تجمع سكاني هامشي ينتظر الإعانات أو التحويلات.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن اقتصاد القرية يعتمد – في جوهر فلسفته ووظيفته الاجتماعية – على الزراعة بوصفها النشاط الإنتاجي المركزي، ويُبنى استقراره واستدامته على قاعدة الملكيات الواسعة غير المجزأة، التي تُعد شرطًا لجدوى الاستثمار الزراعي طويل الأمد.

وبيّن مصطفى أنّ ما نشهده – تحديدًا في التجربة الأردنية – يجسّد انحرافًا حادًا عن هذا المنطق التنموي؛ إذ تُحظر على المزارعين عمليات حفر الآبار اللازمة لتأمين مصادر الري، دون أن توازي ذلك سياسات بديلة تكفل تزويدهم بالمياه الكافية، في الوقت ذاته الذي يُسمح فيه – بل ويُشجع ضمنًا – على تفتيت الملكيات الزراعية إلى مساحات ضئيلة عاجزة عن خلق قيمة اقتصادية تُذكر.

وذكر أن الخطر لا ينحصر في تراجع قطاع الزراعة كمصدر دخل وركيزة اقتصادية فحسب، فهو يمتد ليطال البنية السوسيولوجية للقرية ذاتها، إذ يُفضي هذا التهميش المنهجي إلى تهجير سكان الريف قسرًا نحو المراكز الحضرية الكبرى، طلبًا لفرص معيشية غائبة في بيئاتهم الأصلية، فتتحول القرى تدريجيًا إلى فراغات جغرافية خاوية على عروشها، فاقدةً دورها التاريخي في تشكيل التوازن الديمغرافي والثقافي والاجتماعي.

وتزداد هذه المفارقة فداحةً حين نقارنها بالتجربة الصينية الرائدة، حيث نجحت الدولة في تثبيت ما يقرب من 45% من السكان – أي زهاء 700 مليون نسمة – في الريف، وهي نسبة لافتة للانتباه إذا ما علمنا أنّ الاتجاه العالمي يُظهر أن نحو 90% من سكان الدول باتوا يقيمون في المدن، نتيجة التراجع الهيكلي للريف، وفقًا لما قاله مصطفى.

وأشار إلى أن سرّ هذا الإنجاز الاستثنائي يكمن في طبيعة النظام المُحكم لإدارة ملكية الأرض الزراعية؛ إذ إنّ تجميع آلاف الدونمات ضمن وحدات إنتاجية كبرى أو ملكيات تعاونية يمنح القرى القدرة على تطوير مشاريع زراعية ضخمة، قادرة بدورها على استيعاب معظم القوى العاملة المحلية، وتحقيق جدوى اقتصادية تسهم في رفع مستويات المعيشة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.

ونوّه مصطفى إلى أن هذه المفارقة تُضيء على حقيقة بالغة الأهمية، وهي أنّ بقاء القرية حية وقادرة على الاستمرار مرتبط جوهريًا بإرادة سياسية واضحة ترفض منطق التفتيت والاستنزاف، وتعمل على صيانة الموارد الطبيعية وتمكين الملكية الزراعية من أن تكون إطارًا جامعًا لا متشظيًا، فتستعيد القرية بذلك وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية معًا.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية