لماذا نشعر بوجود "شخص غير مرئي" في الظلام؟

هل تساءلت يومًا لماذا نشعر أحيانًا بوجود شخص ما يراقبنا في الظلام، رغم أننا بمفردنا تمامًا؟ دراسة علمية حديثة من جامعة ماساريك في جمهورية التشيك توصلت إلى أن هذا الإحساس الغريب لا يرتبط بالأوهام أو الأمراض النفسية، بل بطريقة عمل الدماغ تحت ظروف الغموض وانعدام المعلومات الحسية.

نشرت نتائج الدراسة في مجلة Religion, Brain & Behavior، وكشفت أن الدماغ البشري مهيأ بيولوجيًا لاكتشاف التهديدات حتى في حال عدم وجودها فعليًا، كآلية تطورية للنجاة من المخاطر المحتملة.

◾ تجربة علمية: العزلة في الظلام تكشف ردود الفعل

وشارك في التجربة 126 طالبًا تم تقسيمهم إلى مجموعتين، حيث وُضعوا في غرف مظلمة مع وضع عصابة على أعينهم وسدادات في الأذنين لمدة 30 دقيقة، مما تسبب في حرمان حسي خفيف.

أُبلغت المجموعة الأولى بإمكانية دخول شخص ما إلى الغرفة عن طريق الخطأ، بينما طُلب من المجموعة الثانية عدم القلق بشأن هذا الاحتمال. بعد التجربة، قام الباحثون بقياس الاستجابة الفسيولوجية عبر الجلد (الاستجابة الغلفانية)، إلى جانب إجراء استطلاع حول ما شعر به المشاركون.

النتائج أظهرت أن الشعور بوجود "شخص آخر" كان أكثر شيوعًا لدى الأفراد القلقين، كما كان مرتبطًا بمستوى الخيال. الأشخاص الأكثر قلقًا كانوا أكثر عرضة لتفسير الغموض الحسي على أنه وجود بشري، في حين أن ذوي الخيال العالي انغمس بعضهم في أفكارهم لدرجة الشعور بـ"حضور بصري" وهمي.

◾ الدماغ لا يحب الغموض... ويتفاعل على الفور

وفسّرت الباحثة يانا نينادالوفا هذه الظاهرة بقولها: "دماغ الإنسان مبرمج تطوريًا لاستشعار التهديدات المحتملة حتى في غيابها، ليتمكن من التصرف بسرعة في حال حدوث خطر حقيقي."

وتؤكد الدراسة أن ما يشعر به الإنسان في تلك اللحظات ليس هلوسة ولا اضطرابًا نفسيًا، بل هو نتيجة طبيعية لطريقة معالجة الدماغ للمحفزات الضعيفة في بيئة يسودها عدم اليقين.

◾ البُعد النفسي والديني للحضور الغامض

ويخطط الفريق البحثي لمواصلة الدراسة، مع التركيز على تأثير المعتقدات الدينية والثقافية على طبيعة هذا "الحضور"، ولماذا قد يشعر البعض براحة نفسية من هذا الإحساس بدلاً من الخوف.

هل ما نشعر به في الظلام مجرد خيال؟ أم أن الدماغ يحاول حمايتنا على طريقته الخاصة؟

الدراسة تفتح أبوابًا جديدة لفهم كيف يُنتج العقل البشري مشاعر معقّدة من لا شيء تقريبًا.