ملف مياه "اليرموك" يختبر العلاقة الأردنية السورية وسط تهديدات إسرائيلية صامتة
قال رئيس جمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة دريد محاسنة إن الإعلان الأخير عن اتفاق أردني - سوري بشأن تقاسم مياه نهر اليرموك طرح أسئلة قديمة - جديدة حول جدوى مثل هذه التفاهمات، ومدى التزام دمشق ببنودها، في ظل واقع إقليمي تتزايد فيه المخاطر المناخية والضغوط الإسرائيلية.
وأوضح لدى حديثه لقناة المملكة، رصدته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن القضية في جوهرها تعود إلى حوض مائي مشترك، معظم مياهه تنبع من الأراضي السورية، قبل أن تجري في اتجاه سد الوحدة داخل الأردن، مضيفًا أنه منذ عقود، ظلت المشكلة الرئيسية تتمثل في تجاوزات الطرف السوري، من خلال حفر مزيد من الآبار وإقامة سدود إضافية تجاوزت ما نصّت عليه اتفاقية 1987، والتي حدّدت صراحةً ألا يتجاوز عدد السدود السورية 27 سدًا، وأن تُقيَّد عمليات حفر الآبار بهدف ضمان الحصة الأردنية.
وفي شهادته، استحضر محاسنة – الذي كان يرأس الوفد الأردني المفاوض آنذاك – مشاهد من السبعينيات والثمانينيات، حين تحولت مناطق شاسعة من الجنوب السوري إلى زراعة مروية بعد أن كانت معتمدة على مياه الأمطار، في ظل انتشار نفوذ شخصيات نافذة وضباط حصلوا على تراخيص بحفر سدود أو آبار.
وذكر أن هذه التحولات زادت الضغط على نهر اليرموك، فيما تقلصت الكمية الواردة إلى سد الوحدة بشكل حاد، حتى تراجع تدفق المياه أحيانًا من 300 مليون متر مكعب إلى أقل من 30 مليونًا في بعض المواسم.
وأشار محاسنة إلى أن المشكلة اليوم، لا تقتصر على تجاوزات الماضي؛ إذ يبرز تهديد مزدوج يتمثل في التغير المناخي الذي أدى إلى مواسم مطرية فقيرة للغاية، ومخاطر السيطرة الإسرائيلية على المياه، إذ يشير المتحدث إلى أن إسرائيل وصلت بالفعل إلى منطقة سد الوحدة، محذرًا من أن استمرار التعثر في تنفيذ الاتفاقيات المائية مع سوريا قد يُرغم الأردن على توسيع شراء المياه من إسرائيل، ما يُضاعف من نفوذها وقدرتها على ابتزاز عمان مائيًا وسياسيًا.
وأعاد محاسنة التذكير بما جرى في غزة، حين قطعت إسرائيل المياه خلال الحرب، معتبرًا أن "أمن الموارد" – الذي يشمل المياه والطاقة – لا يحتمل أن يُترك رهينة لمتغيرات سياسية أو تهديدات عسكرية.
أما الاتفاق الأردني - السوري الأخير فيُنظر إليه كخطوة إيجابية، لكن تبقى الإشكالية الأعمق غياب الضمانات الكافية، وفقًا لما قاله، فحتى لو تجاوبت الحكومة السورية، يبقى السؤال حول قدرتها الفنية والإدارية على وقف حفر الآبار وضبط عمل السدود، فضلًا عن قدرتها على مواجهة التدخل الإسرائيلي في الحوض المائي المشترك.
وأشار محاسنة إلى تجارب عالمية ناجحة في إدارة الأنهار المشتركة، مثل نهر الدانوب الذي يجري في عدة دول أوروبية دون نزاعات تذكر، مقابل الأوضاع في منطقتنا، حيث يرافق معظم الأحواض المشتركة – من الفرات حتى اليرموك – نزاعات متكررة وانعدام للثقة.
وأثار سؤالًا جوهريًا متعلق بالتزام الأردن طيلة العقود الماضية باتفاقية 1987، دون الإقدام على حفر آبار جديدة في شمال المملكة لموازنة التجاوزات السورية.

