الميثانول يقتل الإنسان من أول رشفة بعد أن يعميه

{title}
أخبار الأردن -

 

كتب الدكتور محمد حسان الذنيبات:

ساحدثكم في هذه السطور عن الميثانول الذي يقتل الإنسان من أول رشفة بعد ان يعميه، وساترك الحديث لاحقاً عن الكحوليات الاخرى التي تسرق عقل الإنسان، ثم تنهك كبده وقلبه، وتضيع ماله وأولاده وتدمر عمله ومصالحه وعائتله ودينه وشرفه في أحيان كثيرة... ثم تقتله. هذا الطريق كله منزلق، والسلامة في اجتناب الخطر من جذوره لا من فروعه.

أحببت البداية بهذا لأنني رأيت بعض المنشورات من المبكيات المضحكات - التي صاغها الذكاء الصناعي والله أعلم- تتحدث عن أن الغالي سعره فيه, وتنصح الشريب أن لا يشرب إلا من الموثوق وأن هذه الأمور لا يصلح فيها الغش !! ولا حول ولا قوة إلا بالله !

الميثانول كحول رخيص وسُم قاتل كان يستخدم في تسميم امداد العدو في الحروب قديماً. هو بحد ذاته خامل ولا يتسبب بمشكلة, الكارثة تبدأ من عمليات الأيض والهدم في الكبد الذي تحوله وتجعله ساماً حين يتحول أولاً إلى "فورمالدهايد" (وهي مادة تحنيط الجثث!) ثم "حمض الفورميك" الذي يستهدف عصب البصر. والحقيقة أنه لا توجد جرعة آمنة وهورغير قابل للاستخدام البشري فرشفة صغيرة (10–30 مل) قد تُسبب العمى النهائي الذي لا يمكن عكسه، و60 مل كافية لتُنهي حياة الإنسان.

قديماً وفي بعض حالات التسمم بالميثانول، كان يُعطى المريض الإيثانول (الكحول الطبي) كعلاج! لماذا؟ لأنه ينافس الميثانول بشكل قوي على الإنزيم الكبدي ويمنع تحوّله إلى السموم سابقة الذكر. هذه الثغرة استغلها بعض المدمنين للحصول على الكحول الطبي بحجة طبية وبشكل مجاني، فتم لاحقاً تطوير دواء أكثر أمانًا وأدق وهورالفومبيزول (Fomepizole)، الذي يعمل بنفس الآلية دون التأثيرات العصبية والسُكرية للإيثانول، وأصبح هو الترياق المفضل عالمياً في علاج تسمم الميثانول والإيثيلين غلايكول.

الميثانول بلا لون ولا رائحة مميزة يشبه الكحول العادي لدرجة يستحيل على أنف الإنسان تمييزه ولهذا يُستخدم في الغش الكحولي حول العالم حين يقوم المجرمون باستبدال الإيثانول بالميثانول لأنه أرخص، فيبيعونه للناس -اللي الله يهديهم- على أنه مشروب كحولي والنتيجة؟ كارثة. بعض الدول تضيف صبغات ملوّنة للتمييز بين الميثانول والإيثانول الصناعي لكن المجرمين يعرفون كيف يخفون الصبغة، ويُعيدون تعبئته بزجاجات مشروبات تبدو طبيعية تماما.

طبعاً, التحذير من الميثانول والقبض على أصحاب المصنع المغشوش الذي أودى بحياة عدد من الأردنيين رحمهم الله- خطوة ضرورية لحماية الأرواح، لكنه لا يعني بحال من الأحوال تشريعاً ضمنياً للكحول الآخر (الإيثانول) الذي يُباع في "محلات آمنة لا تغش!!" فكلٌّ منهما سمٌّ بطريقته، وإن اختلفت سرعة الأثر وحدّة العاقبة.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية