أسئلة ملحة حول "عدم حبس المدين"
قال الخبير القانونيّ الدكتور صخر الخصاونة، إن قرار "عدم حبس المدين" ليس مستجدًا أو طارئًا على المشهد القانوني، فهو تشريع قائم منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، غير أن ما استجد اليوم هو بدء تطبيق القرار، وتنفيذه ضمن أحكام قانون التنفيذ، ما وضع الجميع — مواطنين ومؤسسات — أمام أمر واقع لا يقبل الكثير من الجدل القانوني أو الأخلاقي، على الأقل في المدى الزمني القصير.
السؤال الذي يُطرح اليوم ليس ما إذا كان القانون بحد ذاته سلبيًا أو إيجابيًا، ولا ما إذا كان يُلحق ضررًا بفئات معينة من الناس أو يُنصف آخرين، وإنما كيف وصلنا إلى لحظة التنفيذ دون أن تكون لدينا بدائل عملية كافية، أو منظومات مالية متماسكة تستوعب ارتداداته؟، وفقًا لما صرّح به الخصاونة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأوضح الخصاونة أن السنوات السابقة كانت قد شهدت محاولات لنقاش القانون وتعديله، خاصة ما يتعلق منه بحبس المدين، لكن للأسف لم تأخذ تلك النقاشات حقها الكافي من التفاعل المجتمعي أو التشريعي، مضيفًا أن القانون أتاح، خلال السنوات الثلاث الماضية، فترة انتقالية واضحة كان يفترض أن تُستثمر لإعادة تنظيم التعاملات المالية في السوق، وتوجيه المجتمع نحو ثقافة جديدة في الائتمان، لكن ذلك لم يحدث، وظلّت السوق، مع الأسف، تعمل بذات الآليات التقليدية وهي: البيع الآجل، الشيكات المؤجلة، والكمبيالات، وكأن الجميع يعوّل على أن القانون سيبقى مجمّدًا إلى أجل غير مسمى.
وذكر أن بعض الدول، يتم الاعتماد فيها على ما يُعرف بنظام "الائتمان المالي" أو Credit Rating System، الذي يُحدد قدرة الفرد على الاستدانة بناءً على سجله الائتماني، ما يؤدي إلى ضبط السوق دون الحاجة إلى زجّ الأفراد في السجون، إذ يفقد الشخص غير الملتزم فرص الإيجار والشراء والحصول على القروض، وليس حريته الشخصية.
ونوّه الخصاونة إلى أن المطالبات باستبدال القرار بما يُعرف بـ"الإعدام المدني"، أي حرمان الشخص من كافة حقوقه المدنية والاقتصادية، تحمل في طيّاتها مفارقة خطيرة، فبينما يتم التذرّع بأن الحبس يخالف العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن "الإعدام المدني" – وفق هذا الفهم – أكثر خطورة، إذ يعني عزل المواطن كليًا عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك منعه من إصدار رخصة قيادة أو إجراء معاملة حكومية أو حتى استئجار منزل، وهو ما يُعتبر مساسًا جوهريًا بحقه في الحياة الطبيعية.
وأكد حاجتنا الماسة، اليوم قبل الغد، إلى إعادة بناء منظومة متكاملة، تمتد لتشمل تغييرًا جذريًا في الثقافة المجتمعية السائدة بشأن التعاملات المالية، وتشجيع استخدام أدوات الدفع الحديثة، وتأسيس نظام تصنيف ائتماني وطني يوازن بين حقوق الدائن ومصالح المدين.

