تعديلات قانون التنفيذ تدخل حيز التطبيق وتغيّر مشهد حبس المدين
بدأ اليوم الأربعاء تطبيق التعديلات الجديدة على المادة 22 من قانون التنفيذ الأردني، والتي أحدثت تحولًا جذريًا في أسلوب التعامل مع قضايا حبس المدين، حيث لم يعد الحبس هو الخيار الأول لتحصيل الديون، بل أصبح مقيدًا بشروط صارمة واستثناءات محددة، بما يوازن بين حقوق الدائنين وكرامة المدينين.
التعديلات جاءت استنادًا إلى القانون المعدل رقم 9 لسنة 2022 والذي نُشر في الجريدة الرسمية، وتنص صراحة على وقف الحبس في الديون الناشئة عن الالتزامات التعاقدية، مع الإبقاء على إمكانية الحبس في حالتين فقط هما الديون المرتبطة بعقود العمل، والديون الناتجة عن عقود الإيجار.
التشريع الجديد استثنى أيضًا قضايا تعويض الضرر الناتجة عن جرائم جزائية والغرامات والضرائب المحكومة بالقانون، حيث يمكن للدائنين في هذه الحالات المطالبة بالحبس دون الحاجة لإثبات قدرة المدين المالية، وذلك بهدف حماية الفئات الأضعف ومنع الإفلات من الالتزامات ذات الطابع الخاص.
وبموجب التعديلات، يُمنح المدين الحق في تقديم عرض تسوية خلال المهلة القانونية، على أن تتضمن دفعة أولى عادلة تتناسب مع قدرته المالية، وفي حال رفض الدائن هذه التسوية، فإن المحكمة تُلزم بعقد جلسة استماع للطرفين والتحقق من مدى ملاءة المدين قبل إصدار أي قرار بحقه.
القانون المعدل فرض أيضًا قيودًا واضحة على مدد الحبس، إذ حددها بستين يومًا في السنة عن كل دين، وبحد أقصى مئة وعشرين يومًا سنويًا إذا كان المدين مطلوبًا لعدة دائنين، وهو إجراء يهدف إلى الحد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على الحبس المطول والتي قد تفقد المدين مصدر رزقه وتمنعه من تسديد ما عليه.
ومن اللافت أن التعديلات منحت حصانة قانونية لعدد من الفئات، أبرزها المدين المفلس أو المعسر بحكم قضائي، ومن لا تتجاوز ديونه خمسة آلاف دينار، وكذلك المدين الذي قدّم ضمانات مالية أو رهونًا عقارية، بالإضافة إلى الديون بين أفراد الأسرة مثل الزوجين أو الأصول والفروع.
المحاكم بدأت اليوم بإصدار مذكرات الإفراج وكفّ الطلب تلقائيًا عن المدينين الذين لم يعودوا مشمولين بأحكام الحبس، ما يعكس التطبيق العملي الفوري للقانون المعدل، ويؤكد جاهزية السلطة القضائية لتطبيق أحكامه بما يحقق التوازن بين أطراف النزاع.
في المقابل، لم تغفل التعديلات عن حماية حقوق الدائنين، حيث يحق لهم التوجه نحو إجراءات الحجز على أموال المدين المنقولة وغير المنقولة، وتنظيم مواعيد لبيعها لتسوية الدين، كما يحق لهم طلب منع المدين من السفر إلى حين إيفاء التزاماته المالية.
في سياق متصل، وافق مجلس الوزراء في الأول من حزيران على تفعيل خدمة الاستعلام الرقمي عن الملاءة المالية للأشخاص الذين يصدرون شيكات، من خلال "كريف الأردن" وتطبيق "سند"، وهي خطوة تهدف إلى تعزيز الشفافية وحماية المتعاملين بالشيكات، في ظل قرار وقف الحماية الجزائية عنها.
الخدمة الجديدة تتيح للأفراد والمؤسسات التحقق من الوضع المالي لمصدري الشيكات قبل قبولها، بالاعتماد على تقارير ائتمانية رسمية تصدرها "كريف الأردن"، وهي تقارير تستند إلى بيانات مالية معتمدة، وتساعد في تقييم السلوك الائتماني واتخاذ قرارات مستنيرة.
ويُنتظر أن تساهم هذه الإجراءات في تخفيض نسب الاكتظاظ داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، والتقليل من الأعباء المالية التي تتحملها الدولة، إلى جانب دعم الأفراد في إيجاد حلول بديلة تتيح لهم تسوية ديونهم دون أن يتحولوا إلى عبء على المجتمع.
كما تعكس هذه التعديلات التزام الأردن بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، خصوصًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يمنع حبس المدين بسبب العجز عن الوفاء بالتزامات مدنية، والذي صادق عليه الأردن ونشره في الجريدة الرسمية.
وفي المجمل، يمثل القانون الجديد نقلة نوعية في النهج التشريعي للدولة، حيث يتم التخلي عن الحلول العقابية التقليدية لصالح معالجات قانونية أكثر إنصافًا وعدالة، بما يعزز مناخ الثقة في بيئة الأعمال ويوفر الحماية القانونية للأطراف كافة.

