تحذير... أزمة الشيكل في الضفة مقدمة لتهجير اقتصادي صامت نحو الأردن!

حذّر الباحث الاقتصادي عامر الشوبكي من أن الأزمة المتفاقمة المرتبطة بتقييد البنوك الإسرائيلية لحركة تحويل الشيكل من المصارف الفلسطينية إلى الداخل الإسرائيلي، باتت تعبّر عن نواة أزمة استراتيجية متعددة الأبعاد، تُهدد بإحداث شلل تدريجي في النظام المالي الفلسطيني، بما يتجاوز انعكاساته المحلية إلى فتح بوابات تهجير اقتصادي منظّم صوب الجوار الأردني، في إطار ما يُمكن وصفه بمحاولة إسرائيلية خفيّة لإعادة تشكيل الواقع الديموغرافي في الضفة الغربية، عبر أدوات ضغط غير تقليدية ترتكز على الاقتصاد كسلاح ناعم ومؤثر.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن فرض سقوف صارمة على حجم الشيكل الذي يُسمح بتحويله شهريًا من البنوك الفلسطينية إلى إسرائيل، يجمد قدرة هذه البنوك على الاستمرار في استقبال الودائع أو منح التسهيلات الائتمانية، مما يؤدي حتميًا إلى اختناق في الشرايين التمويلية، ويُعطل قنوات التدوير المالي، ويُفرغ البيئة الاستثمارية من حيويتها، وبالتالي فإن حالة الركود المتوقعة في أعقاب هذه الخطوة ليست مجرّد احتمال اقتصادي، بل هي مسار محتوم في ظل غياب تدخلات فاعلة وسريعة.
وبيّن الشوبكي أن ما يزيد من خطورة المشهد أنّ هذا الانكماش المتوقع في النشاط الاقتصادي، والمترافق مع تصاعد معدلات البطالة وتآكل الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية، ينشأ في سياق سياسي، واقتصادي، واجتماعي بالغ الحساسية، حيث يصبح الهروب من الأزمة باتجاه الأردن خيارًا اضطراريًا لآلاف الفلسطينيين الذين سيتحولون من فاعلين اقتصاديين إلى لاجئين جدد يحملون معهم أعباءهم وهمومهم إلى الداخل الأردني، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأردني أصلًا من ضغوط بنيوية ومعيشية عميقة.
ونوّه إلى أنه لا يُمكن عزل التداعيات المحتملة على الأردن عن المشهد الكلي، إذ إن موجات الهجرة غير المنظّمة، إن حدثت، ستضاعف الضغط على سوق العمل المحلي، وتستنزف الموارد المحدودة، وتُفاقم معدلات البطالة في صفوف الأردنيين، وتخلق اختلالات خطيرة في ميزان العرض والطلب على الدينار الأردني، ناهيك عن الآثار المرتدة على الميزان التجاري، وعلى انسيابية التبادل السياحي والاقتصادي بين الضفتين، مما يُنذر بإعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية البينية برمتها على أسس متوترة وهشة.
وإذا كان الطلب المرتفع على الدينار الأردني قد يُفسّر في بعض الأوساط بوصفه مؤشرًا على الثقة بالعملة الأردنية واستقرارها، فإن هذا التفسير، وإن بدا سليمًا ظاهريًا، لا يصمد أمام التحليل النقدي العميق، إذ إن ارتفاع الطلب في بيئة مشوّهة ومضطربة كبيئة الضفة الغربية، سيؤدي في حال استمراره دون رقابة إلى ضغوط متنامية على الاحتياطيات الأجنبية، وإلى موجات تضخمية مقلقة، وقد يفتح الباب أمام تنامي السوق السوداء وتحويلات مالية خارجة عن الأطر النظامية، بما يقوّض استقرار السياسة النقدية الأردنية نفسها، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ودعا الشوبكي بشكل واضح وصريح إلى ضرورة بلورة موقف أردني فلسطيني مشترك، يستبق تفاقم الأزمة ويعمل على احتوائها مبكرًا، من خلال تنسيق السياسات الاقتصادية والمالية، ومخاطبة الجهات الدولية المعنية لوقف السياسات الإسرائيلية التي تستهدف بنية الاقتصاد الفلسطيني بشكل غير مباشر، بما يؤكّد أن هذه الأزمة، في جوهرها، ليست شأنًا مصرفيًا بحتًا، بل هي حلقة جديدة من مسلسل الضغط المركّب على الفلسطينيين، يُراد من خلالها دفعهم إلى مغادرة أرضهم عبر أدوات الإفقار والتجويع والخنق المالي، وسط صمت دولي مطبق، وتردد عربي غير مبرر
وأشار إلى أن تجاهل هذه المؤشرات المتراكمة أو التقليل من شأنها، قد لا يؤدي فقط إلى تعقيد المشهد الفلسطيني الداخلي، بقدر ما يؤدي إلى تصدير أزمته إلى الجوار الأردني، بما يحمله ذلك من تهديدات محتملة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ليس في الأردن وحده، وإنما في الإقليم بأسره، مما يجعل من هذه الأزمة اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولتين على التحرك كجسم واحد أمام استراتيجيات الإضعاف الإسرائيلية، قبل أن تتحوّل الأزمة من طورها المالي إلى تداعيات وجودية لا يمكن تداركها لاحقًا.