القصة الأخرى للملف النووي الإيراني

{title}
أخبار الأردن -

قال الباحث في مركز الإمارات للسياسات الدكتور محمد الزغول إن الجدل الدائر حول الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 يبدو، ظاهريًا، تقنيًا أو مرتبطًا بالمستويات المسموح بها للتخصيب وفترة "الهروب النووي"، إلا أن المقاربة الأمريكية لهذا الملف، لا سيما في عهد الرئيس دونالد ترامب، كانت محكومةً بعوامل أعمق تتجاوز الإطار النووي الضيق، لتمتد إلى اعتبارات اقتصادية وجيوسياسية واستراتيجية شاملة.

وأوضح في تصريح خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الرئيس ترامب، ومنذ لحظة إعلانه الانسحاب من الاتفاق، لم يستند في قراره إلى قصور فني أو خلل رقابي في بنود الاتفاق المبرم، وإنما عبّر عن امتعاضه من كون الولايات المتحدة خرجت من الاتفاق "خالية الوفاض" اقتصاديًا، بينما تقاسمت كلٌّ من أوروبا، وروسيا، والصين، عقودًا تجارية واستثمارية مع إيران تجاوزت قيمتها 120 مليار دولار. 

بمعنى أدق، فإن واشنطن وجدت نفسها، رغم توقيعها على الاتفاق، محرومة من أي حصة مجزية في الكعكة الاقتصادية الإيرانية، فيما استفادت القوى الأخرى من الانفتاح الإيراني دون مقابل استراتيجي للولايات المتحدة، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

إلى جانب العامل الاقتصادي، أشار الزغول إلى بروز دوافع أمنية وإقليمية لا تقل أهمية، إذ إن الفترة التي تلت توقيع الاتفاق شهدت تصاعدًا ملحوظًا في النشاط الإقليمي الإيراني، خصوصًا في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، فضلًا عن تنامي التهديد الإيراني المباشر وغير المباشر تجاه إسرائيل، الأمر الذي اعتبرته واشنطن تهديدًا جوهريًا لمعادلة الأمن في المنطقة، ومؤشرًا على فشل الاتفاق في "احتواء" إيران سياسيًا واستراتيجيًا.

ولفت الانتباه إلى  أن المسافة الزمنية الفاصلة بين اتخاذ القيادة الإيرانية قرارًا فعليًا بامتلاك سلاح نووي وبين القدرة التقنية على صناعته، والمعروفة اصطلاحًا بـ"فترة الهروب النووي"، شكلت حجر الأساس في التفاوض النووي. وقد نص اتفاق 2015 على ضمان ألا تقل هذه الفترة عن عام كامل، غير أن إدارة ترامب وضعت شرطًا رئيسيًا في أي اتفاق لاحق، يتمثل في إطالة هذه الفترة لما يزيد عن السنة الواحدة، لضمان استباق أي نوايا إيرانية عسكرية بوقت كافٍ.

لكن هذا الشرط لم يكن الوحيد في قائمة الشروط الترامبية، فإضافة إلى الطموح بعقد "اتفاق أفضل من اتفاق أوباما"، وضعت إدارة ترامب شرطًا اقتصاديًا استراتيجيًا، يتمثل في ضمان حصول الشركات الأمريكية على الحصة الأكبر من عقود الاستثمار في السوق الإيرانية حال رفع العقوبات، وقد عبّرت طهران منذ بداية المفاوضات عن استعدادها لفتح استثمارات بقيمة 4 تريليونات دولار أمام الولايات المتحدة، إدراكًا منها لطبيعة الأسباب الحقيقية لاعتراض واشنطن على اتفاق 2015، كما قال الزغول.

وأردف أنه في الوقت الذي تطالب فيه بعض الأصوات داخل اليمين الأمريكي بتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل – وهو هدف غير واقعي بحسب معظم التقديرات – تتجه النقاشات الأكثر براغماتية نحو فرض قيود على مستوى التخصيب دون المساس بحق إيران المشروع، وفق القانون الدولي، في امتلاك برنامج نووي سلمي.

واستطرد الزغول قائلًا إن لبّ الخلاف لم يكن يومًا في حجم أجهزة الطرد المركزي أو نسب التخصيب، وإنما فيما يتعدى التقنية إلى السيادة والنفوذ والدور الإقليمي، فعناوين مثل "كيفية ضمان أمن إسرائيل"، و"كيفية تقليص النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط"، و"كيف يمكن تفادي تكرار سيناريو 7 أكتوبر"، باتت تشكل العناوين الموازية للمفاوضات النووية، لا سيما أن الفرق التفاوضية تضم خبراء اقتصاديين واستراتيجيين إلى جانب الفيزيائيين النوويين، وهو ما يشير بوضوح إلى شمولية المقاربة الأمريكية.

واختتم حديثه بالإشارة إلى أن العودة المحتملة إلى اتفاق نووي جديد، سواء في عهد الرئيس الحالي أو الإدارات القادمة، لن تكون ممكنة دون معالجة الهواجس الأمريكية غير النووية، وعلى رأسها ضمان التفوق الاقتصادي لواشنطن في السوق الإيرانية، وتقليص القدرات الإيرانية الإقليمية التي تهدد أمن الحلفاء الأمريكيين، وعلى رأسهم إسرائيل.

 

 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية