كيف صاغ الأردن ملامحه القانونية منذ الاستقلال؟... نصراوين يجيب "أخبار الأردن"
قال الخبير الدستوري الأستاذ الدكتور ليث نصراوين إنه في ضوء احتفاء الأردن باستقلاله التاسع والسبعين، يُمكن الوقوف عند التحولات الجوهرية التي شهدها المشهد القانوني الوطني بوصفها إحدى أبرز ثمار الاستقلال، وأعمق تجليات السيادة السياسية والتشريعية للدولة الأردنية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه منذ إعلان الاستقلال عام 1946، وما تبعه من صدور الدستور الدائم لعام 1952، أصبحت الدولة الأردنية قادرة على بناء منظومة قانونية متكاملة، تستند إلى أسس دستورية صلبة، وتعكس إرادة وطنية مستقلة، بعد أن كانت محدودة الصلاحيات ومقيّدة بالعهود والالتزامات الاستعمارية في عهد إمارة شرق الأردن.
وبيّن نصراوين أنه في ظل القانون الأساسي لعام 1928، لم يكن المجلس التشريعي يمتلك صلاحيات تشريعية فعلية، نظرًا لطبيعة تركيبه – حيث كان الوزراء أعضاءً فيه – ولوجود قيود دستورية على المخرجات التشريعية، من أبرزها الالتزام بالعهد المبرم مع سلطة الانتداب، أما بعد الاستقلال، فقد تعزّزت الصيغة الدستورية لنظام الحكم النيابي، القائم على أساس انتخاب مجلس نواب يمارس صلاحيات تشريعية كاملة، وهو ما انعكس مباشرة على بنية الدولة القانونية، التي استطاعت أن تنتج طيفًا واسعًا من القوانين المؤسِّسة التي لا تزال نافذة حتى اليوم، ولا سيما في ميدان الإثبات والبينات، والتشريعات الجزائية.
من السيادة السياسية إلى البناء المؤسسي
ونوّه إلى أن استقلال الدولة أسهم في توسيع الفضاء التشريعي ليشمل القطاعات الحيوية كافة، السياسية منها، والاجتماعية، والاقتصادية، في إطار مقاربة تشريعية تنموية متكاملة، فعلى صعيد الحقوق والحريات، برزت جهود الدولة في ترجمة المبادئ الدستورية إلى قوانين تكفل حق الفرد في الكرامة والطمأنينة والعيش في ظل العدالة الاجتماعية، وهي القيم التي شكّلت النواة الفكرية للعديد من القوانين التي تعزز منظومة حقوق الإنسان، وتوسّع من دائرة الحماية القانونية للمال العام والمرافق العامة. وفي هذا السياق، تم إنشاء هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، والتي تستند إلى قانون خاص يتواءم مع المعايير الدولية في هذا المجال.
البعد الاقتصادي في التشريع: ضمان العمل والبيئة الاستثمارية
في موازاة ذلك، ووفاءً بالالتزام الدستوري المتعلق بكفالة الحق في العمل، حرصت الدولة الأردنية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، على بلورة بيئة تشريعية محفزة للنمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات، من خلال إصدار قوانين اقتصادية متقدمة، وتحديث التشريعات القائمة، وإنشاء هيئات تنظيمية متخصصة، وقد خضعت هذه المنظومة لمراجعة مستمرة بهدف تقييم كفاءتها، وتحقيق التوازن بين حماية حقوق العامل وتحفيز القطاع الخاص، في إطار رؤية اقتصادية وتشريعية متناغمة، وفقًا لما صرّح نصراوين لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
التكنولوجيا كمدخل لتحديث التشريع
وأردف أنه استجابة للتغيرات العالمية المتسارعة، عمدت الدولة إلى مواءمة تشريعاتها مع التحولات التكنولوجية، إدراكًا لأهمية دمج الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية في إدارة المرافق العامة وتقديم الخدمات الأساسية، لا سيما في مجالات التعليم، والصحة، والقضاء، وقد تجلى هذا التوجه في تعديل عدد من التشريعات، بما يتيح التحول الرقمي، ويؤسس لمرحلة جديدة من الحوكمة الإلكترونية والعدالة الرقمية.
وفي هذا السياق أيضًا، برز قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية، بوصفه نموذجًا تشريعيًا متقدمًا يرمي إلى بناء بيئة رقمية آمنة ومستدامة، تعكس فهمًا عميقًا لطبيعة المخاطر والفرص في الاقتصاد الرقمي العالمي، وتفتح الباب أمام الابتكار والنمو في قطاع الأصول الرقمية.
سيادة القانون كمرتكز للمشروعية والمساواة
وأشار نصراوين إلى أن التحدي الجوهري الذي لا تزال تواجهه المنظومة التشريعية يتمثل في ضمان التطبيق العادل والمنصف لأحكام القانون، وتكريس مبدأ المساواة أمامه، ومن هنا، كانت الخطوة التاريخية في عام 2022، عندما تم "دسترة" مبدأ سيادة القانون، ليرتقي من مبدأ ضمني إلى قاعدة دستورية صريحة، تضمن خضوع السلطات العامة والأفراد لأحكام النص القانوني على قدم المساواة.
وقد تعزز هذا التوجه من خلال تطوير مسارات التظلم الإداري الإلكتروني، وتفعيل الرقابة القضائية والدستورية، بما يضمن أن أي قرار إداري صادر بالاستناد إلى قانون، يبقى خاضعًا للطعن والرقابة أمام القضاء العادي أو الدستوري، وهو ما يعبّر عن استقرار في فلسفة الدولة القانونية، وتطور في أدوات الحماية القانونية للمواطن، كما جاء في حديثه لصحيفة "اخبار الأردن" الإلكترونية.
واستطرد نصراوين قائلًا إن استقلال الدولة الأردنية كان نقطة انطلاق نحو بناء منظومة تشريعية رصينة، تتسم بالمرونة، والديناميكية، والتكامل مع المتغيرات المحلية والدولية، ومن هنا، فإن مسار التطوير القانوني في الأردن يشكّل شاهدًا على نضج التجربة الدستورية، وتنامي الوعي بأهمية الموازنة بين التشريع، والتطبيق، والمساءلة، ضمن أفق وطني يضع الكرامة الإنسانية، وسيادة القانون، وفعالية الدولة في صلب مشروعه السياسي والتنموي.

