العقد الاجتماعي والنهوض بالإنسان... ماذا أنجزنا في استقلال الـ79؟
قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور إسماعيل الزيود إن مفهوم "الاستقلال" يتجاوز إطاره التاريخي المألوف ليغدو لحظة وعي متجددة تستدعي إعادة تأمل معمّقة في مسارنا الوطني، ليس فقط من زاوية السيادة السياسية أو الإنجاز التنموي، وإنما – وهو الأهم – من زاوية التحولات التي لحقت بالنسيج الاجتماعي، والتي باتت تتطلب معالجة مركّبة وشاملة تتجاوز التجميل الخطابي إلى الفعل المؤسسي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الأردن، الذي وُلد من رحم الجغرافيا المستعرة، واشتدّ عوده في بيئة إقليمية تتسم بالاضطراب المزمن، يثبت مرة تلو أخرى أنه ليس كيانًا هشًا متأرجحًا في مهب الأزمات، بقدر ما هو منظومة راسخة تتكئ على ثلاثية الاستقرار السياسي، والشرعية التاريخية، والمرونة المجتمعية.
وبيّن الزيود أن استقلاله اليوم – في عامه التاسع والسبعين – يعد تعبيرًا عن استمرارية وطنية راسخة تعيد إنتاج ذاتها رغم التحديات والإقليمية والاقتصادية المعقّدة.
وأشار إلى أن قراءة اللحظة الاستقلالية من منظور علم الاجتماع تقتضي تجاوز الأبعاد السياسية الظاهرة، والذهاب نحو المناطق الرمادية في البنية المجتمعية؛ حيث يعيش الأردنيون حالة من الاستقطاب الصامت، والاغتراب القيمي، وتفكك بعض أشكال التضامن التقليدي، ما يجعل الحديث عن "الهوية الاجتماعية الأردنية" أمرًا يحتاج إلى تفكيك وإعادة تركيب، لا إلى اجترار خطابي عاطفي.
وذكر الزيود أن السنوات الأخيرة، ولا سيما ما بعد جائحة كورونا، كشفت عن تشظٍّ في منظومة التكافل الاجتماعي، وتراجع حاد في فاعلية القطاع الثالث (المجتمع المدني)، فضلًا عن تهميش متزايد لدور الأسرة باعتبارها المؤسسة الاجتماعية المركزية في الحفاظ على الاستقرار القيمي والتوازن النفسي الجمعي، مضيفًا إن الانكفاء على الذات، وتآكل الثقة الأفقية بين الأفراد والمؤسسات، وتراجع المبادرات التطوعية الفاعلة، كلها مؤشرات على خلل في التوازن المجتمعي يستدعي تدخلاً استراتيجيًا وليس ردات فعل مؤقتة.
وأردف أن إعادة الاعتبار للأسرة النواة – لا بوصفها كيانًا بيولوجيًا فقط، بل كمنظومة ثقافية وأخلاقية ومؤسسية – تبدو أمرًا مصيريًا، فالأسرة، بتعريفها السوسيولوجي الأصيل، تمثل البنية التحتية للهوية الجمعية، وهي المُولد الأول للقيم، ومن دونها لن تتمكن أي دولة – مهما بلغت قوتها الأمنية أو مؤسساتها التشريعية – من حماية نسيجها الداخلي من التفكك والانفجار الصامت.
كما أن تعزيز ثقافة العمل التطوعي، وإعادة تموضع منظمات المجتمع المدني في صلب عملية التنمية الاجتماعية، أضحى ضرورة وطنية لمواجهة أزمات الهوية والانتماء والمعنى التي باتت تعتمل بصمت في قطاعات واسعة من الشباب، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ولفت الزيود إلى أن استقلال الأردن، في هذا الظرف الدقيق، هو دعوة جادة لإعادة بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس العدالة الاجتماعية، والمواطنة الحاضنة، والمشاركة الحقيقية، والتوزيع المنصف للفرص، والمساءلة المسؤولة.
وأشار إلى أن الأردن، وهو يتقدّم بثبات في محيط إقليمي مأزوم، لا يطلب معجزة، وإنما يطلب انحيازًا وطنيًا واعيًا يعيد وصل ما انقطع، ويجبر ما تفتّت، ويؤسس لوطن متصالح مع ماضيه، منفتح على حاضره، وواثق بمستقبله.
واختتم الزيود حديثه بالقول إنه من الواجب – لا المجاملة – أن نؤكد في هذه الذكرى أن الرهان على وعي الشعب، وصلابة القيادة، وحيوية المجتمع، لم يكن في يوم من الأيام رهانًا خاسرًا.

