المحاريق لـ"أخبار الأردن": آن الأوان لميثاق سلوك وطني متعلق برجالات الدولة
قال الكاتب الصحفي سامح المحاريق إن ظهور الدكتور جواد العناني – وهو أحد أبرز الأسماء التي ارتبطت بالمجالين الاقتصادي والدبلوماسي في الأردن لعقود – عبر شاشة إعلامية إسرائيلية، يعد خروجًا صريحًا على قواعد الانضباط الرمزي والأخلاقي التي يفترض أن تحكم سلوك من ارتبط اسمه بمنظومة الدولة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الإشكال لا يكمن فقط في مضمون ما قاله، والذي حمل مقدارًا كبيرًا من الضعف والارتباك، وإنما في فكرة الظهور بحد ذاتها، في هذا التوقيت بالذات، وبهذا الوسيط الإعلامي تحديدًا، إذ تُشير هذه الخطوة إلى انزلاق مقلق نحو التطبيع الرمزي، وتماهٍ غير مبرّر مع أدوات الدعاية الإسرائيلية التي لطالما استهدفت اختراق الساحة الأردنية عبر "أصوات ذات صبغة رسمية سابقة"، بقصد إضفاء الشرعية على سرديتها في لحظة تفقد فيها دعمًا دوليًا وشعبيًا غير مسبوق.
وبيّن المحاريق أن الأوان – وبإلحاح غير قابل للتأجيل – قد آن للحديث الجاد حول الحاجة إلى ميثاق سلوك وطني (Code of Conduct) لرجالات الدولة، ممن لم يعودوا يشغلون مناصب رسمية، لكنهم ما زالوا يحتفظون بمكانة رمزية تُلزمهم بالبقاء ضمن خط الدولة الاستراتيجي، فهذا الصنف من الشخصيات لا ينتمي إلى الفضاء الحزبي ولا إلى الخطاب المعارض، ذلك أنهم من التكنوقراط الذين صعدوا في مؤسسات الدولة، وتبوأوا مواقع حساسة، واستفادوا من الثقة العامة ومن تمويل الخزينة وامتيازاتها.
وبالتالي، فإن ما يُنتظَر منهم بعد التقاعد هو التحلي بالمسؤولية التاريخية والأخلاقية في الحفاظ على هيبة الدولة ومصالحها وموقفها الثابت من العدو الصهيوني، وإن الظهور على شاشة إسرائيلية – أياً كانت الذرائع – لا يُعد انفتاحًا ولا حوارًا، بقدر ما يُشكّل اختراقًا ناعمًا لوعي الجمهور وتآكلًا رمزيًا لمصداقية الموقف الأردني، ويُظهر أن بعض "رجال المرحلة" لم يدركوا بعد أن الرمزية السياسية أكثر كلفة من الفعل ذاته، وفقًا لما صرّح به المحاريق لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وذكر أن التوقيت بحد ذاته لا يمكن تجاوزه، فإسرائيل في حالة صراع مكشوف مع القيم الإنسانية، ومحاصرة بقرارات أممية ومذكرات توقيف دولية، وملاحقة بجرائم إبادة جماعية وتهجير قسري، فكيف لشخص قضى عمره في دوائر الحكم والدبلوماسية أن يقدّم لها هدية مجانية على الهواء؟.
ونوّه المحاريق إلى أن المفارقة الأشد إيلامًا هي أن الشخص الذي أطلّ عبر القناة الإسرائيلية، لم يكن مغمورًا أو عابرًا، وإنما رجل دولة سابق يفترض أنه يفهم التوازنات، ويقرأ اللحظة، ويدرك خطورة إرسال إشارات خاطئة في توقيت خاطئ، لمنظومة معتدية تسعى بأي ثمن لتصدير صورة "الاختراق العربي".
وأردف أن واجب النخبة، في مثل هذا المنعطف التاريخي، أن تصون الخطاب الوطني، وأن تُحصّن ذاكرة الدولة، لا أن تعبث بها تحت مبررات الحياد أو الرأي الحر. فالحياد في مواجهة الظلم انحياز، والرأي الحر عندما يُوظَّف في خدمة الباطل يصبح تواطؤًا معرفيًا لا يُغتفر.
وأشار المحاريق إلى أن المطلوب من رجالات الدولة السابقين هو أن يُجسّدوا نبل الصمت الحكيم، وعمق الوفاء لذاكرة المناصب التي شغلوها، وأن يدركوا أن الهيبة لا تُفكك بعد مغادرة المكتب، وأن الاحترام لا يُشترى بالمنابر، وأن أعين الناس، والذاكرة، والتاريخ... لا تنام.

