8 نقاط حول مستقبل غزة والمنطقة ونتنياهو نفسه

{title}
أخبار الأردن -

 


قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إن خطاب رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مثّل ـ في جوهره ـ تعبيرًا صريحًا عن مأزق مزدوج تعيشه إسرائيل على المستويين الداخلي والخارجي.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن نتنياهو اضطر إلى مخاطبة الشارع الإسرائيلي في لحظة بالغة الحساسية، يختلط فيها الانسداد السياسي مع التفكك الاجتماعي والتراجع الاستراتيجي لإسرائيل إقليميًا ودوليًا.

ورغم محاولته الإيحاء بالتماسك، فإن الخطاب عكس اضطرابًا في بوصلة القيادة الإسرائيلية، وفضح ـ لمن يحسن قراءة ما وراء السطور ـ ملامح خطة إحلال سياسي وأمني تسعى لإعادة إنتاج الصراع لا تسويته، تحت غطاء خطاب "الاستقلال والانبعاث" الذي استخدمه نتنياهو ليُسقط على العدوان على غزة طابعًا وجوديًا زائفًا، وفقًا لما صرّح به البستنجي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

أولًا: تكتيك الحرب كمدخل لتموضع استراتيجي دائم في غزة

وذكر أن غزة، في حسابات نتنياهو، تحوّلت إلى مركز الجاذبية لمشروع سياسي يهدف إلى إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية برمتها، فالحرب أداة وظيفية لإحداث تحوّل تاريخي في الجغرافيا السياسية، وفي هذا السياق، تتبدى أي هدنة محتملة ـ وفقًا لمنطوق الخطاب ـ كمرحلة انتقالية مرحلية، تخضع بالكامل للهيمنة الإسرائيلية ووفق شروطها الأحادية.

ثانيًا: ضبط الموقف الأميركي ضمن هامش المناورة الإسرائيلي

وأشار البستنجي إلى أن نتنياهو بدا مدركًا لحدود الضغط الأميركي، الذي اقتصر على مطلب إنساني مبدئي: "منع التجويع"، وقد أبدى موافقته التكتيكية على إدخال مساعدات إنسانية، شريطة ألا تمر عبر قنوات حماس، وهو ما يُؤسس فعليًا لسيناريو "المنطقة الإنسانية" في رفح، كأداة للفصل السياسي والسكاني، وكمقدمة لإدارة دولية أو إقليمية خارج نطاق السيادة الفلسطينية.

ثالثًا: التقييم البراغماتي لموقف الاتحاد الأوروبي

واستطرد قائلًا إن نتنياهو، وفي تعاطيه مع الموقف الأوروبي، لم يبدُ مكترثًا، فقد أظهر ازدراءً ضمنيًا لما اعتبره مواقف شكلية تهدف إلى إرضاء الرأي العام الأوروبي لا أكثر، مؤكدًا يقينه بأن أوروبا لن تتحرك فعليًا ضد إسرائيل ما لم تقتضِ مصالحها العميقة ذلك، وهو ما يعكس فهمًا نفعياً لما يسميه بـ"هشاشة الأخلاق الغربية أمام سطوة المصالح".

رابعًا: استعادة مفهوم "الهدنة المسمومة" كأداة إخضاع سياسي

ونوّه البستنجي إلى أن نتنياهو، أعاد بصيغة غير مباشرة، تفعيل مفهوم "الهدنة المسمومة"، التي تُفرض بشروط الغالب، لا بشروط التفاوض، فكل حديثه عن الرهائن وخطة "يتكوف" يصب في قالب هدفه منه استعادة السيطرة دون التزامات متبادلة، مع إبقاء القطاع تحت الحصار والابتزاز، وإدامة حالة من اللاسلم واللاحرب.

خامسًا: تغييب التسويات السياسية لصالح حالة حرب دائمة

ولفت الانتباه إلى أن الخطاب ـ بمنطوقه وسياقاته ـ كان خاليًا من أي إشارة إلى إمكانية التوصل لتسوية سياسية نهائية، بل بدا واضحًا أن استراتيجية نتنياهو تقوم على إبقاء الحرب مفتوحة زمنيًا، ضمن ما يمكن تسميته بـ"العسكرة المؤبدة" للصراع، وحرمان المقاومة من أي مكسب سياسي أو رمزي، بما في ذلك اعتراف ضمني بوجودها.

سادسًا: التهجير كهدف غير معلن ولكن حاضر في التخطيط العملي

وتابع أن خطاب نتنياهو ينطوي على نزعة "ترانسفيرية" مضمرة، يُراد تمريرها تدريجيًا عبر تضييق الخناق على سكان القطاع، لتشجيعهم على الهجرة القسرية، وهو ما يُعيد إلى الأذهان فلسفة "إسرائيل الضيقة"، القائمة على التصفية السكانية والتفريغ الجغرافي.

سابعًا: إيران بين التصعيد المؤجل والاستثمار السياسي

أما في الملف الإيراني، فقد فضّل نتنياهو إبقاء ورقة التصعيد في دائرة "الاحتمال المعلّق"، مكتفيًا بالإشادة بالتنسيق مع واشنطن، وهي إشادة لا تخلو من ابتزاز ناعم، لإبقاء الدعم الأميركي مفتوحًا ضمن صفقة كبرى تشمل غزة وإيران معًا، في تقاطع دقيق بين التكتيك العسكري والمكاسب السياسية، وفقًا لما قاله البستنجي.
ثامنًا: الخطاب كمناورة انتخابية مبكرة

وأضاف أنه لا يمكن إغفال البعد الانتخابي في الخطاب، إذ وجّه نتنياهو، بشكل مباشر وغير مباشر، رسائل إلى الداخل الإسرائيلي، هاجم خلالها المستشارة القانونية للحكومة، وقدم نفسه كقائد "مخلص" و"صريح"، يُخاطب جمهوره كمَن يستعد لجولة انتخابية جديدة، خشيةً من تطورات قد تعصف بائتلافه الحاكم.


وأشار البستنجي إلى أن غاية الخطاب الظاهرة هي طمأنة الشارع الإسرائيلي وتعزيز صموده، إلا أن غايته الباطنة ـ والأخطر ـ هي تهيئة الأرضية النفسية والسياسية لإدامة الحرب، وربما لإعادة هندسة الوعي الإسرائيلي حول مفهوم النصر ومعناه، وما لم يُفهم هذا الخطاب بوصفه تجديدًا للشرعية الدموية لا مجرد تحديث في التكتيك، فإن الرد عليه سيبقى سطحيًا، والعواقب ستكون أكثر كارثية.

وبيّن أن نتنياهو لا يعرض مشروع سلام، وإنما ينذر بـ"هولوكوست بارد" جديد ضد غزة، ويستدعي أسوأ ما في الموروث الصهيوني من عدوانية وتوسعية، وكل ذلك باسم "الاستقلال".

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير