واشنطن وتل أبيب... مناوشات علنية مقابل مناورات خلف الكواليس

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات إنه، وعلى الرغم مما يُلاحظ من تصاعد لافت وغير مسبوق في مستوى التوتر والخلاف بين الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دولاند ترامب، وحكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، إلا أنّ القراءة المتأنية للمؤشرات الاستراتيجية الثابتة تفيد، وبما لا يدع مجالًا للتأويل أو الشك، بأنّ فكرة التخلي عن إسرائيل كحليف استراتيجي لا تندرج ضمن حسابات العقل السياسي الأمريكي.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا الثبات في الموقف لا يقتصر على إدارة ترامب فحسب، ذلك أنه يمتد ليشمل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بما في ذلك إدارة الرئيس السابق جو بايدن، والتي يُفترض أنها كانت الأكثر انسجامًا مع الرؤية الإسرائيلية، مما يعزز فرضية أن الدعم الأمريكي لإسرائيل يُشكّل أحد ثوابت السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بغض النظر عن طبيعة الخلافات الظرفية أو المواقف التكتيكية المتغيرة.

وبيّن الحوارات أن الإدارة الأمريكية عبّرت عن استيائها الشديد من سياسات نتنياهو، ووصفت بعض تحركاته بأنها تفتقر إلى البعد الأخلاقي والاستراتيجي اللازم لضمان الاستقرار في المنطقة، ومع ذلك، سارعت إلى نفي ما تردّد في بعض وسائل الإعلام من أنها قد تُقْدِم على "سحب الغطاء السياسي" عن إسرائيل، مضيفًا أن الإدارة شدّدت على أن دعمها لإسرائيل ثابت ومبدئي، وإن كانت تعارض بشدة استمرار الحرب في غزة بصيغتها الحالية، وتسعى لإنهائها وفقًا لرؤية تراعي الأبعاد الإنسانية والسياسية والإقليمية.
وذكر أن ترامب عاد مجددًا إلى دائرة الجدل، من خلال طرحه لما وصفه بـ"خطة جديدة" لإعادة توطين الفلسطينيين في دول الجوار، وإعادة إعمار قطاع غزة، وهي خطة لا تختلف في جوهرها عن مشاريعه السابقة التي رُفضت شعبيًا ورسميًا، والتي تصب في مجملها في خانة تفريغ الأرض من أصحابها لصالح المشروع الصهيوني. ومن اللافت أن ترامب، كعادته، يسعى لتقديم حلول سريعة وشعبوية تلامس طموحات الناخب الأمريكي من جهة، وتلبي غايات حلفائه الإقليميين من جهة أخرى، دون اكتراث حقيقي بالقانون الدولي أو حقوق الإنسان.

ورغم استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وسقوط أكثر من 53 ألف شهيد وفقًا للإحصائيات الأخيرة، إلا أن هناك تحوّلًا ملموسًا ـ ولو نسبيًا ـ في المزاج السياسي الأمريكي تجاه إسرائيل، يمكن قراءته من خلال اللهجة الأكثر صرامة التي يتحدث بها مسؤولو الإدارة الأمريكية تجاه الحكومة الإسرائيلية، وخاصة شخص نتنياهو، وفقًا لما صرّح به الحوارات لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وأردف أنه يُفهم من المشهد الراهن أن هناك تعارضًا صارخًا بين الرؤية الاستراتيجية التي يتبناها ترامب، والتي تهدف إلى وقف الحرب سريعًا وتقليل الكلفة السياسية والإنسانية على الولايات المتحدة، وبين الأجندة الخاصة التي يسعى نتنياهو إلى تحقيقها، سواء في إطار تصفية حساباته الداخلية، أو في سياق تنفيذ مخططاته بعيدة المدى بشأن مستقبل غزة والضفة الغربية، ومن الطبيعي ـ في ضوء هذا التصادم بين رؤيتين ـ أن تشهد العلاقة بين الجانبين توترًا متصاعدًا قد يبلغ ذروته في الأسابيع القادمة.

غير أن المشهد لا ينتهي عند هذا الحد، فنتنياهو ـ وفق تقديرات العديد من المحللين ـ قد يجد نفسه مضطرًا للرضوخ، ولو مرحليًا، للإرادة الأمريكية، لاعتبارات تتعلق بعمق العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن، ولإدراكه أن تجاوز حدود الدعم الأمريكي قد يعرّض إسرائيل لعزلة دولية متزايدة يصعب على حكومته احتواء تبعاتها.

واستطرد الحوارات قائلًا إن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب تمر بمرحلة إعادة تموضع، تتخللها مناوشات علنية ومناورات خلف الكواليس، دون أن تصل ـ على الأقل في المدى المنظور ـ إلى مرحلة الانفصال أو القطيعة، وهو ما يجعل من التصعيد الحالي مجرد صراع إرادات، وليس انقلابًا في المسارات التاريخية المتجذرة بين الطرفين.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير