أستاذ علم اجتماع: علينا هزّ المجتمع حتى يستيقظ

حذر أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، من التنامي المقلق لظاهرة تعاطي المخدرات، لا سيما في أوساط الفئات العمرية الصغيرة، معتبرًا أن الأردن يواجه أزمة تهدد تماسك بنيته الاجتماعية وأمنه المجتمعي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن نسبة نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل المتورطين في قضايا المخدرات تبلغ قرابة 50%، وهو مؤشر يعكس مدى الانكشاف القيمي والاجتماعي الذي تعاني منه البيئة الحاضنة، مضيفًا أن الأخطر من ذلك، هو أن العمر عند بدء التعاطي انخفض إلى تسع سنوات فقط، ما يشير إلى اختراق مبكر للطفولة وتراجع حاد في فاعلية الدور الوقائي الذي من المفترض أن تضطلع به الأسرة والمؤسسة التعليمية على حد سواء.
وبيّن الخزاعي أن الفئة العمرية الممتدة من 9 إلى 13 عامًا تمثّل ما نسبته 22% من حالات التعاطي، بينما الفئة من 13 إلى 17 عامًا تشكّل 21%، وهذا يعني أن ما يقارب من نصف المتعاطين هم من فئة الأحداث، أي أولئك الذين لم يبلغوا سن الرشد القانوني بعد، الأمر الذي يُنذر بوجود تصدعات عميقة في البنية الاجتماعية وضعف الرقابة التربوية المباشرة.
وفيما يتعلق ببيئة التعاطي، فإن ما نسبته 26% من الحالات تتم داخل المنازل، بينما 31% تقع ضمن شبكات الأصدقاء، وهو ما اعتبره دليلًا على انهيار الحواجز الوقائية التي كان يُفترض أن توفرها البيئة الأسرية، وتحول البيت نفسه إلى ساحة عرضة لاختراق المخدرات، ما يستدعي وقفة وطنية شاملة وإعادة نظر في المفاهيم التقليدية للتنشئة والرعاية.
ولفت الخزاعي الانتباه إلى أن هذه الأزمة لا تتوقف عند حدود المجتمع المحلي، فهي تتعداه إلى تحديات تتصل بالعمالة الوافدة، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نحو 9.5% من المتورطين في قضايا المخدرات هم من الجنسيات غير الأردنية، ما يفتح ملف الرقابة على سوق العمل وضرورة ربط قضايا الإقامة والتسفير بسجل الجرائم والجنح، في إطار سيادة القانون والعدالة الوقائية.
وأشار إلى تزايد قضايا الحيازة والتعاطي، حيث ارتفعت من 15,611 حالة في عام 2022 إلى نحو 17,400 حالة في عام 2023، وهو ما يعكس توجّهًا تصاعديًا مقلقًا يتطلب تدخلًا مؤسسيًا متعدد المستويات، قانونيًا واجتماعيًا وتربويًا.
ورغم إشادة الخزاعي بالدور الأمني الكبير الذي تؤديه إدارة مكافحة المخدرات، والتي نجحت في عام 2023 وحده بضبط أكثر من 38,000 متورط، ومصادرة ما يزيد عن 27 مليون حبة كبتاغون و3,000 كغم من الحشيش، ونفذت أكثر من 8,000 نشاط توعوي، إلا أن الخبير أكد أن العمل الأمني مهما بلغ من كفاءة، يظل غير كافٍ ما لم تُرفده بنية مجتمعية قوية تضع الوقاية الثقافية والاقتصادية في صلب أولوياتها.
وشدّد على أن أزمات البطالة والفقر تشكّل بيئة خصبة لانزلاق الشباب إلى دوائر الإدمان، مطالبًا بإعادة النظر في أولويات السياسات العامة، لا سيما فيما يتعلق بتوزيع الموارد، وتوسيع مظلة الدعم الاجتماعي في جيوب الفقر.
وأشار الخزاعي إلى ضرورة تفعيل تقارير دائرة الإحصاءات العامة، لا باعتبارها وثائق رقمية محايدة، وإنما باعتبارها خرائط إنذار مبكر يجب أن تقرأها الدولة على مدار الساعة.
ودعا إلى إطلاق خطة وطنيّة شاملة، تُفعّل أدوات التربية والوقاية المجتمعية، وتعيد الاعتبار للعلاقة التشاركية بين الدولة والمجتمع والأسرة، باعتبارها الحصن الأخير أمام تمدد هذا الخطر المتعدد الرؤوس.