فرصة ثمينة لا تعوض أمام الأردن
قال الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي إن الإعلان الرسمي عن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، بما في ذلك تعليق العمل بقانون قيصر، يحمل دلالات عميقة وتحولات فارقة في المشهد الإقليمي، لا سيما بالنسبة للأردن الذي يجد نفسه أمام فرصة استراتيجية غير مسبوقة، قد تعيد تشكيل معادلاته الاقتصادية، وتفتح آفاقًا جديدة أمام قطاع الطاقة الذي عانى طويلًا من القيود الجيوسياسية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا التحوّل في السياسات الدولية يمنح الأردن القدرة على استئناف دوره المحوري كممر إقليمي حيوي لتدفقات الطاقة، وبوابة عبور نحو استقرار كهربائي وغازي طال انتظاره في سوريا ولبنان، مضيفًا أن ما يُعزز أهمية هذه اللحظة هو أن البنية التحتية اللوجستية والإقليمية موجودة وجاهزة، وقد ظلت مجمّدة بفعل العقوبات، لا بفعل غياب الإرادة أو الإمكانيات.
الكهرباء رافعة لتقليص الخسائر وتعزيز النفوذ الإقليمي
وبيّن الشوبكي أن الأردن يمتلك اليوم فائضًا كبيرًا في الاستطاعة التوليدية الكهربائية، في وقتٍ تعاني فيه سوريا من انقطاعات مزمنة نتيجة الدمار الذي لحق بمحطات التوليد، مستطردًا أن الربط الكهربائي بين الأردن وسوريا لا يزال قائمًا تقنيًا، حيث تتصل الشبكة الأردنية بالجنوب السوري وصولًا إلى دمشق وامتدادًا نحو لبنان.
ولفت الانتباه إلى أن استئناف تصدير الكهرباء إلى سوريا ولبنان لا يعني فقط استثمار الفائض الوطني، وإنما يُعد خطوة استراتيجية نحو تقليص الخسائر التشغيلية لشركة الكهرباء الوطنية، التي تُقدّر سنويًا بنحو نصف مليار دينار، كما يشكّل ذلك انفراجة في تخفيف العبء المالي المزمن عن خزينة الدولة.
الغاز الطبيعي واستعادة جدوى "خط الغاز العربي"
ونوّه الشوبكي إلى أنّ خط الغاز العربي، الممتد من الأردن عبر دمشق إلى حمص، وصولًا إلى محطة دير عمار في لبنان، يمثل اليوم شريانًا جاهزًا لإعادة التفعيل، بعد سنوات من الجمود السياسي والتعطيل الأمني، إذ يُمكن للأردن أن يؤدي دور المزود الرئيسي للغاز، سواء لتشغيل محطات توليد الكهرباء أو لتلبية احتياجات صناعية سورية حيوية.
وأردف أن هذا الدور لا يمنح الأردن إيرادات مباشرة فقط، فهو يُعزز مكانته بوصفه محورًا للطاقة في شرق المتوسط، وشريكًا موثوقًا في مشاريع استقرار البنى التحتية الطاقوية في دول الجوار.
المشتقات النفطية كفرصة تجارية واقتصادية مزدوجة
وأشار الشوبكي إلى أن مصافي النفط السورية لا تزال غير قادرة على تلبية الطلب المحلي، بسبب الأضرار التي لحقت بها أثناء الحرب، وهنا يظهر الأردن لاعبًا مؤهلًا لمدّ السوق السورية باحتياجاتها من الديزل والغاز المنزلي والمشتقات الأخرى، عبر منظومة تصدير يمكن تفعيلها بسرعة، إذ إن هذا المسار يعزز الدور الأردني في ملف إعادة الإعمار السوري، ويوفّر منفذًا تجاريًا عالي الأهمية يمكن من خلاله تحفيز حركة التصدير، وتنشيط قطاع النقل، وخلق فرص اقتصادية جديدة.
الأثر الإنساني والاجتماعي وعودة التوازن إلى المشهد الحدودي
وقال إن رفع العقوبات يبعث بإشارات طمأنة لشرائح واسعة من اللاجئين السوريين المقيمين في الأردن، والذين كانوا مترددين في العودة بفعل غياب الضمانات حول الاستقرار والخدمات، كما يُعيد تنشيط قطاع النقل البري العابر، الذي تضرر بشدة خلال سنوات الأزمة، ويفتح المجال أمام استثمارات أردنية مباشرة في الداخل السوري، خاصة في المجالات الخدمية واللوجستية.
وتابع الشوبكي أنّ رفع العقوبات لا يمثل فقط تغييرًا في البيئة السياسية، بقدر ما يمثل لحظة تاريخية تفرض على الأردن التحوّل من موقع الترقّب إلى موقع المبادرة، فالمطلوب الآن المسارعة إلى بلورة الترحيب في شكل مشاريع ملموسة، تتقاطع مع المصلحة الوطنية وتُعيد صياغة تموضع الأردن ضمن الخريطة الاقتصادية الإقليمية.
وأشار إلى أن تعظيم الاستفادة من هذا الانفراج يتطلب تحركًا أردنيًا سريعًا ومدروسًا، على مستوى قطاعي الطاقة والنقل، من أجل تحويل هذه النافذة السياسية إلى مكاسب استراتيجية مستدامة، تُمكّن الأردن من تجاوز أزماته المالية وتعزيز مكانته بوصفه محور توازن وعبور في منطقة لم تخرج بعد من فوضى عقدها الدموي.

