خفايا زيارة ترامب للمنطقة... رهانات كبيرة على طاولة دول الخليج
قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات إن الولايات المتحدة تكبّدت خسائر استراتيجية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، ويُعزى ذلك إلى المزاجية السياسية التي اتسمت بها مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء تلك التي تقودها الأحزاب الديمقراطية أو الجمهورية، فهذه الفوقية السياسية والتبدّل الحاد في السياسات الخارجية الأمريكية من إدارة إلى أخرى أفقد واشنطن ثقة شركائها الإقليميين، لا سيّما في منطقة الخليج العربي.
وأوضح لدى حديثه لقناة المملكة، رصدته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة، تحمل في طيّاتها أهدافًا متعددة، لعلّ أبرزها السعي إلى إبرام صفقات اقتصادية كبرى تعود عليه بمكاسب ملموسة، يستطيع من خلالها تقديم نفسه للناخب الأمريكي كصانع للثروات ومحرك للنمو الاقتصادي، فـ"الصفقات الكبرى" – بحسب ما يسعى ترامب – ليست غاية اقتصادية فحسب، بقدر ما هي أداة سياسية لتلميع صورته أمام الداخل الأمريكي عشية أي استحقاق انتخابي قادم.
وبين الحوارات أن دول الخليج تُمارس ما يمكن تسميته بـ"لعبة التحوط الاستراتيجي"، إذ لم تعد تعتمد على الولايات المتحدة بوصفها الحليف الحصري، وإنما بدأت بتوزيع تحالفاتها واستثماراتها بين قوى دولية كبرى مثل الصين وروسيا.
وذكر أن هذا السلوك لم يأتِ من فراغ، وإنما من شعور عميق بانعدام الثقة في ثبات السياسات الأمريكية، وبأن الولايات المتحدة لم تعد دولة ذات رؤية استراتيجية طويلة الأمد يمكن الركون إليها، مضيفًا أن المتغير – بحسب التحليل – هو السلوك الأمريكي، أما الثابت فهو حكمة السياسة الخليجية التي باتت أكثر احترافًا في التعامل مع التقلّبات الدولية.
أما على صعيد العلاقة مع إيران، فيبدو أن ترامب يسعى إلى ضمان اصطفاف خليجي واضح في مواجهة طهران، من خلال إعادة إحياء سياسة "الضغط الأقصى" التي انتهجها خلال ولايته، والتي اعتمدت على فرض العقوبات الاقتصادية والتهديدات العسكرية. غير أن الإيرانيين، بحسب المتحدث، يتمتعون بمهارة تفاوضية عالية، ويدركون أن ترامب يهدف إلى كسب الوقت، لذلك، هم يوظفون التفاوض كأداة لتأجيل الصدام، ولفرض أجندتهم تدريجيًا، مستفيدين من خبرتهم الطويلة في إدارة الأزمات والمفاوضات المعقّدة، وفقًا لما صرّح به الحوارات.
وأشار إلى أن الصين تعد جزءًا لا يتجزأ من مشهد التحول الاستراتيجي في المنطقة، إذ تسعى الولايات المتحدة، من خلال تحركات ترامب، إلى تشكيل قوة ردع أمام تمدد النفوذ الصيني، غير أن هذا الطموح يبدو صعب المنال، فالصين اليوم هي المستورد الأكبر للطاقة من الخليج، وشريك محوري في مبادرة "الحزام والطريق"، ومساهم فاعل في مشروعات "رؤية السعودية 2030"، كما أنها تلعب دورًا حاسمًا في البنى التحتية الإقليمية، ما يجعل من الصعب إزاحتها دون تقديم بدائل تنافسية ضخمة في الجودة والتكلفة، وهو أمر لا يبدو ممكنًا في الظرف الاقتصادي والسياسي الراهن للولايات المتحدة.
ونوّه الحوارات إلى أن الملف الفلسطيني، وتحديدًا غزة، يظهر حدود النفوذ الأمريكي بوضوح، فقد فشلت إدارة بايدن – وقبلها ترامب – في الضغط الحقيقي على حكومة نتنياهو لوقف تصعيدها في القطاع، إذ تشير التقديرات إلى أن ما يقارب 45% من غزة بات تحت الاحتلال المباشر، في ظل غياب أي قدرة أمريكية حقيقية على ردع هذا التمدد.
ونوّه إلى أن هذا الفشل ينعكس سلبًا على فرص إنجاح مبادرات التطبيع، وخصوصًا ما يتعلق بخطة "مسار إبراهيم"، حيث تشترط بعض الدول الخليجية – وعلى رأسها السعودية – أن يضمن أي اتفاق سلام حقوقًا حقيقية للفلسطينيين، ويبدو أن ترامب، وفقًا لبعض التسريبات، قد تراجع فعليًا عن فكرة دفع السعودية نحو التطبيع دون مقابل ملموس في ملف الحقوق الفلسطينية أو البرنامج النووي.

