هل يصنع الإعلام الرسمي واقعا... أم يهرب منه؟
قال الكاتب والمفكر الدكتور إبراهيم الغرايبة إن المشهد الإعلامي الرسمي، وشبه الرسمي، ومعه طيف واسع من المنصات المؤيدة التي تعمل تحت مظلّة الولاء غير المشروط، يتبدّى كمنظومة سردية مغلقة، تشتغل وفق منطق التكرار لا التفاعل، وتمارس خطابًا مفرغًا من الحس التاريخي والجدل الواقعي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا الإعلام، الذي يعمل في ظل غياب كلي أو شبه كلي لأصوات معارضة ذات مشروعية مؤسسية أو حتى مساحة تعبير مستقلة، لا يبدو أنه يطمح إلى تمثيل الحقيقة أو الإسهام في بلورة وعي جمعي نقدي، بقدر ما ينزع إلى إعادة إنتاج ذاته ضمن دائرة مغلقة من الافتراضات المؤدلجة التي تنزع إلى تأكيد ما يجب أن يكون، لا ما هو كائن بالفعل.
وبيّن الغرايبة أن ما يُقدّمه هذا الإعلام ومن خلال بنيته الخطابية وأساليبه الإقناعية المُستنفدة، يخدم الدولة ويعزّز استراتيجياتها ومواقفها، إلا أنه يبدو، من حيث التحليل النفسي - الخطابي، ضربًا من الوهم المؤسسي، الناجم إما عن غفلة معرفية مزمنة أو عن قناعة زائفة تتغذى على العزل المعرفي المتبادل بين النخبة الإعلامية وصنّاع القرار من جهة، وبينهم وبين الجمهور المتلقّي من جهة ثانية.
ونوّه إلى أن الأخطر من ذلك هو بناء الخطاب الإعلامي برمّته على قناعة ضمنية بأن المتلقي يستهلك هذا المنتج الإعلامي بجدّية، الأمر الذي يُحيل - وفق التوصيفات المعرفية الحديثة - إلى حالة من الإنكار شبه الذهاني، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بـ"الانفصال الإدراكي المركّب"، حيث تتماهى المؤسسة الإعلامية مع ذاتها بوصفها مصدرًا للشرعية الرمزية، دون أن تُخضع خطابها لأي اختبار واقعي للقبول أو التأثير.
وأردف الغرايبة أن استمرار هذه البنية الإعلامية في الاشتغال بذات الآليات البالية والمضامين المتخشبة، لا يفضي فقط إلى تآكل المصداقية وتفاقم الفجوة الإدراكية بين الدولة ومجتمعها، بقدر ما يُنتج – على المدى الطويل – بنية رمزية مضادة، تتغذى على السخرية والانفصال العاطفي، وتُسهم في تقويض المفهوم الوظيفي للإعلام ذاته بوصفه وسيطًا حيًا، لا لسان حال متكلس لكيان يرفض مساءلة ذاته أو الاعتراف بحدود تمثيله للواقع.

