خبير يحذّر من حملات سيبرانية منظمة تستهدف تضليل الرأي العام وتشويهه
قال خبير الذكاء الاصطناعي وتقنيات الاقتصاد الرقمي معاذ خليفات إنه في أعقاب النشر الإخباري الذي تناول تفاصيل التهم الموجهة من محكمة أمن الدولة للمتورطين في القضية الإرهابية الأخيرة، ظهرت على صفحات منصات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا عبر صفحة قناة "المملكة"، موجة من التفاعلات العاطفية المتكررة، اتخذت أشكالًا من قبيل "أغضبني" و"أحزنني"، ما أوحى للمتلقي غير المدقق بوجود استياء جماهيري واسع النطاق تجاه الإجراءات القضائية المتخذة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن التدقيق في طبيعة هذه التفاعلات يكشف عن بنية مصطنعة وموجهة، ناتجة عن استخدام تقنيات "شراء التفاعل" المدفوعة، وهي خدمات رقمية متوفرة في السوق السوداء الرقمية، تتيح توليد آلاف التفاعلات الوهمية مقابل مبالغ لا تتجاوز عشرة دولارات لكل ألف تفاعل.
ولفت خليفات الانتباه إلى أن إحدى أبرز الحالات التي تجلّى فيها هذا النمط من السلوك السيبراني المُوجَّه تمثّلت في الكمّ غير الطبيعي من التفاعلات العاطفية التي سُجّلت على المنشور، مضيفًا أن نمط التفاعل، والسرعة في انتشاره، وتشابه الصياغات والرموز، كلّها دلائل تُشير إلى حملة مبرمجة تهدف إلى تشويه صورة القرار القضائي، وإيهام الرأي العام بوجود حالة استياء شعبي واسعة، في حين أن مصدر هذه التفاعلات غير عضوي بطبيعته.
وبيّن خليفات أن تتبّع هذه الحملات يستند إلى مؤشرات فنية واضحة، من أبرزها، تكرار التفاعل باستخدام رموز تعبيرية محددة بشكل مبالغ فيه، وظهور حسابات وهمية أو ذات أسماء نمطية غريبة على السياق المحلي، وعدم وجود سجل تفاعلي سابق لهذه الحسابات مع القضايا الوطنية، والاكتفاء بالتفاعل في مواضيع ذات طابع تحريضي أو مثير للانقسام.
وأردف أن ذلك يتسبب بتحويل المزاج الرقمي إلى ساحة توجيه ممنهج، لا تعبير حر، هدفه الأساس التأثير على الرأي العام، وتشويه قرارات المؤسسات السيادية عبر تزييف الشعور الجمعي.
ونوّه خليفات إلى أن خطورة هذا الأسلوب تتمثل في قدرته على اختراق الوعي الجمعي دون مقاومة، خصوصًا في ظل الانتشار الأفقي للمعلومات، حيث يتم التعامل مع المؤشرات الرقمية - عدد التفاعلات، نوعها، سرعة انتشارها - باعتبارها مرآة صادقة لمواقف الناس، بينما هي، في الواقع، نتاج هندسة افتراضية مخادعة تقف خلفها جهات ذات أجندات سياسية وأمنية، تسعى إلى تفكيك الثقة بالمؤسسات، وزرع التشكيك في إجراءات العدالة، بل وإعادة تأطير القضايا الإرهابية ضمن سرديات مظلومية زائفة.
ولفت الانتباه إلى أن هذه الأساليب، التي تُدار تحت عباءة التقنيات الرقمية، لا يمكن فصلها عن مشهد أوسع من محاولات ممنهجة لاستهداف استقرار الدولة الأردنية، عبر تفخيخ الإدراك العام والتلاعب بالوعي الجمعي، مضيفًا أنها حرب غير معلنة، لا تقل خطورة عن التهديدات الصلبة، لأنها تعمل على تقويض الرواية الوطنية من داخلها.
واستطرد خليفات قائلًا إن الذباب الإلكتروني يمثل تجسيدًا مباشرًا لما يُعرف في الأدبيات العلمية بـ"الهندسة الاجتماعية الرقمية"، وهو نمط من التلاعب المنظم بالرأي العام عبر استثمار الثغرات النفسية والمعرفية، لا سيّما استغلال الجهل الرقمي، والانفعالات الفورية، والنزوع غير العقلاني لدى قطاع واسع من المستخدمين.

