الاستثناء من خفض المساعدات... رسائل واشنطن لعمان في لحظة إقليمية حرجة
قال الخبير الاقتصادي منير ديّه إنه في خضمّ تحولات دولية متسارعة تعيد تشكيل أولويات واشنطن في ملف المساعدات الخارجية، جاء استثناء الأردن من قرارات الخفض التي طالت عشرات الدول حول العالم بمثابة إشارة استراتيجية مزدوجة الأبعاد.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا الاستثناء يؤكد أنّ الأردن لا يزال يحتفظ بمكانته لاعبًا موثوقًا في معادلة الأمن والاستقرار الشرق أوسطي.
وبيّن ديّه أن القرار الأميركي تضمن الالتزام الكامل بتحويل المساعدات السنوية المقررة للمملكة لعام 2025، والمقسّمة إلى شقّين رئيسيين، الأول عسكري بقيمة تقديرية تبلغ 400 مليون دولار، والثاني دعم مباشر للخزينة تصل قيمته إلى 850 مليون دولار، مضيفًا أن هذا الالتزام يكتسب أهميته بالنظر إلى الرسائل الجيوسياسية التي يبثّها في لحظة تتّسم بكثافة النزاعات وتراجع بعض أشكال الحضور الأميركي في المنطقة.
على المستوى الاقتصادي، يُتوقع أن يسهم هذا الدعم في تعزيز قدرة الأردن على احتواء العجز المالي، وتخفيف الضغوط على الموازنة العامة، وتمكين الحكومة من مواصلة الإنفاق على المشاريع الرأسمالية والتنموية دون اللجوء إلى خيارات تمويلية طارئة أو ذات تكلفة مرتفعة، كما أن هذا الضخ المالي المباشر يُرسّخ الاستقرار النقدي والمالي في مرحلة تواجه فيها الدولة تحديات مركبة داخليًا وخارجيًا، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ولفت ديّه الانتباه إلى أن بند المساعدات المرتبط بـالوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، والذي تُقدّر مخصصاته بحوالي 450 مليون دولار، يبقى معلّقًا إلى حين استكمال جولات التفاوض بين عمّان وواشنطن، إذ يُخصص هذا الجزء من الدعم لمجالات بالغة الحساسية والاستراتيجية، تشمل الرعاية الصحية، والتعليم، والبنية التحتية، والتنمية المحلية، وبناء القدرات المؤسسية، وهي قطاعات تُعدّ بمثابة العمود الفقري لاستقرار النموذج الأردني في التنمية المستدامة.
وأشار إلى أن المفاوضات التي أطلقها رئيس الوزراء الأردني خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن قد بدأت تُحدث اختراقات أولية، تجلّت في استئناف بعض أوجه الدعم للناقل الوطني الأردني، وهو ما يُقرأ ضمنًا كمؤشر على إعادة ضبط الإيقاع السياسي الأميركي تجاه الأردن، تمهيدًا لإعادة تفعيل المسارات التنموية المتوقفة.
وعلى مسار موازٍ، نوّه ديّه إلى أن المحادثات الفنية والاقتصادية تستمر حول إعادة النظر في الرسوم الجمركية المفروضة على الصادرات الأردنية إلى السوق الأميركية، والتي شهدت تصاعدًا منذ القرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، مضيفًا أن التقديرات الأولية تشير إلى إمكانية خفض تلك الرسوم بنسبة تصل إلى 10%، وهو ما من شأنه أن يعزز القدرة التنافسية للصادرات الأردنية، ويفتح نافذة حيوية أمام تحفيز بيئة الاستثمار الصناعي، وتنويع أسواق التصريف.
وأردف أن مسألة مساعدات USAID والرسوم الجمركية تتقاطع لتشكّلا مرتكزًا حرجًا في مشهد العلاقات الاقتصادية الأردنية - الأميركية، إذ إن تجاوزهما بنجاح سيمنح الاقتصاد الأردني مساحة تنفس حقيقية في ظل الضغوط المتراكمة، ويؤكّد مجددًا أن عمّان لا تزال قادرة - عبر أدواتها الدبلوماسية والسياسية - على ضمان استمرارية الدعم الغربي دون المساس باستقلال قرارها التنموي والسيادي.
وتابع ديّه موضحًا أنه إذا كانت المقاربة الأميركية ما زالت تنظر إلى الأردن بوصفه أحد "الحلفاء النادرين" الذين يُعوّل عليهم في ضبط الإيقاع الإقليمي واحتواء مصادر التهديد، فإن صون هذا الموقع المتميّز يقتضي، بالضرورة، إبقاء قنوات التنسيق مفتوحة وفاعلة، وتحديث منظومة المساعدات على نحو يواكب التحولات الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد الأردني، فالاستقرار لم يعد يُقاس فقط بمؤشرات مالية مباشرة، بقدر ما بات يرتبط عضويًا بمنظومة أوسع من الاستقرار السياسي والأمني، بحيث يُغدو الاقتصاد ركيزة صلبة من ركائز توازن المنطقة بأكملها، لا مجرد ملف تنموي تقني.

