لعبة شد الحبال... دمشق وتل أبيب تتنازعان على عقل القرار الأميركي

{title}
أخبار الأردن -

 

قال مؤسس مجلة المراسل للصحافة البحثية من واشنطن الصحفي عماد الرواشدة إنه في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد، تتسارع وتيرة التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، ذي الخلفية الإسلامية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الهاجس الأول لدى دمشق بات يرتكز على تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي، بوصفه بوابة ضرورية لقطع الطريق أمام أي ثورة مضادة محتملة، قد تعيد إنتاج النظام السابق بأقنعة محدثة، كما حدث في غير بلد من بلدان الربيع العربي.

وفي تفاصيل هذا "الاستقرار الأولي"، بيّن الرواشدة أن الحديث لا يدور عن إصلاح هيكلي شامل، بقدر ما يتمحور حول تمكين الدولة من ضمان تدفق السلع الاستراتيجية والأساسية مثل القمح، والمشتقات النفطية، والأدوية، وتسهيل عمليات التحويل المالي من الخارج إلى الداخل، والعكس، غير أن هذا المسار مشروط بإعادة دمج سوريا في نظام "سويفت" العالمي للتحويلات المالية، وهو ما لا يمكن إنجازه دون رفع أو تخفيف العقوبات الأميركية – وهو ما يضع مفاتيح الانتقال الاقتصادي في قبضة واشنطن، بشكل شبه حصري. 

ولفت الانتباه إلى أن تعافي الاقتصاد السوري منذ اللحظة الأولى لسقوط الأسد في 8 ديسمبر، ينظر إليه على أنه استحقاق سياسي مركزي، فالاقتصاد، وفق هذا التصور، هو بوابة تثبيت الشرعية، وإغلاق الفراغ السياسي الذي قد تتسلل منه قوى النظام القديم أو شبكاته، في لحظة إقليمية لا تزال فيها الثورات المضادة فاعلة ومتأهبة، بيد أن الولايات المتحدة اختارت، حتى الآن، التموضع في مربع "الانخراط الحذر"، مدفوعة باعتبارات تتجاوز سوريا إلى تخوفاتها من الإسلام السياسي، لا سيما في تمظهراته القتالية العابرة للحدود.

وأشار الرواشدة إلى أن إسرائيل تستند في رفضها لأي انفتاح أميركي على دمشق إلى سردية ترى في الحكم الجديد مجرّد نسخة "مموّهة" من التنظيمات الجهادية، وإنْ اعتمد خطابًا مرنًا مرحليًا، مضيفًا أن هناك نخب إسرائيلية بارزة، كالدبلوماسي السابق يورام إيتينغر، يحذر من أن الرؤية العقائدية لهيئة تحرير الشام التي انبثق منها الشرع، تتعدى سوريا إلى مشروع أوسع لتقويض الأنظمة الإقليمية وإقامة كيان إسلامي عابر للحدود، في قلبه العداء لإسرائيل.

واستطرد قائلًا إن إسرائيل، تحاول عبر منظومتها الدبلوماسية والإعلامية، توجيه خطابها إلى صانعي القرار الأميركيين، خصوصًا في بيئة إدارة ترمب التي تُبدي ميلًا أكثر تحفظًا تجاه الإسلاميين، وتلقى هذه الرسائل صدى لدى شخصيات مثل مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، التي سبق ووصفت حكومة الشرع بأنها امتداد عضوي لتنظيم القاعدة.

ونوّه الرواشدة إلى أن الحكومة السورية الجديدة تسعى رغم هذا الجدل، لتقديم نفسها شريكًا محتملًا للولايات المتحدة، عبر رسائل سياسية تتضمن استعدادات انتقائية لتنفيذ بعض المطالب الأميركية، المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وتفكيك البنى المرتبطة بالمقاتلين الأجانب، وإغلاق مكاتب فصائل فلسطينية محسوبة على طهران، غير أن دمشق تُبقي على الغموض البناء في الملفات الأكثر حساسية، كالسماح بعمليات أميركية داخل أراضيها، مفضّلة إدراجها في خانة "التفاهمات المستقبلية" التي تحتاج إلى مشاورات معمقة.

وأردف أن واشنطن تبدو حتى الآن وكأنها تسير على خيط رفيع، فهي لا تمنح الشرعية الكاملة، لكنها لا تغلق الأبواب، ما يسمح بتقاطع مصالح أمني مع دمشق، كما في ملف التنسيق الاستخباري لإحباط عمليات إرهابية، لكنها تحتفظ بورقة الضغط الاقتصادي والعقوبات كورقة مساومة استراتيجية. ولعل المثال الأبرز على هذا "الفصل بين المسارات" كان تدخل واشنطن لإقناع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالانخراط في تسوية داخلية مع الشرع، في محاولة لإغلاق أحد أخطر ملفات الانقسام الجغرافي والسياسي داخل سوريا، وفقًا لما صرّح به الرواشدة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وذكر أن الإدارة الأميركية ترى أن نجاح حكومة الشرع في فرض الاستقرار سيُتيح لها سحب معظم قواتها - التي تقلصت فعليًا من 2000 جندي إلى نحو 500 - في إطار استراتيجية أوسع لتحرير الموارد العسكرية والسياسية الأميركية من الشرق الأوسط، لصالح مواجهة التحدي الجيوسياسي الأكبر، ألا وهو الصين، وهذا ما تُسميه النخب الأميركية بـ"التحول نحو آسيا"(Pivot to Asia)، والذي بات يمثل الأولوية الكبرى في رؤية ترمب للعالم. 

وقال الرواشدة إن هذه الرؤية الأميركية للتحول، تجد في تل أبيب عقبة صلبة، فإسرائيل، التي ترى في الجولان السوري المحتل ركيزة أمنية استراتيجية، لا تُبدي أي نية للانسحاب، حتى لو قُدّمت لها وعود بالتطبيع الكامل من حكومة إسلامية جديدة، فبالنسبة لرئيس الوزراء نتنياهو، الجولان "جزء لا يتجزأ من إسرائيل"، بينما يعتبر رئيس أركانه أن السيطرة عليه مسألة لا يمكن التفريط بها في أي سيناريو. 

وهكذا، ووفقًا لرؤية الرواشدة التي نشرت في مجلة المراسل، تتقاطع الديناميات الثلاث، حكومة سورية تبحث عن تثبيت داخلي، إدارة أميركية توازن بين الحذر والانفتاح، ودولة إسرائيلية تسعى لإبقاء دمشق في دائرة الحصار والهشاشة، وفي خضم هذا الاشتباك، تصبح سوريا ساحةً أخرى لصراع الإرادات بين منطق الواقعية السياسية الأميركية، وهواجس الأمن القومي الإسرائيلي، وآمال التغيير التي يرفعها السوريون بعد سنوات النزف والخراب.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير