إلى أين يمضي الأردن؟... مؤشرات مربكة تستدعي الابتعاد عن المجاملات

قال خبير الطاقة عامر الشوبكي إنه في أعقاب مرور 100 يوم فقط على مباشرة الإدارة الأمريكية الجديدة مهامها، وجد الأردنيون أنفسهم في قلب عاصفة سياسية واقتصادية غير مسبوقة، يتشابك فيها المحلي بالإقليمي، ويتداخل فيها المسكوت عنه بالظاهر، مما يستدعي خطابًا سياسيًا واقتصاديًا يتسم بالشفافية، لا بالتطمين؛ وبالمصارحة، لا بالمجاملات الخطابية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن مؤشرات التوتر في العلاقة الأردنية - الأمريكية تصاعدت على نحو لافت، تمثلت أولًا في قرار واشنطن تعليق جزء كبير من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وهي رافعة تمويلية أساسية لمشاريع تنموية متعددة القطاعات.
ثم تلا ذلك، وبصورة أكثر إرباكًا، تجميد برنامج المساعدات الأمريكية السنوية، الذي يبلغ قرابة 1.45 مليار دينار، ما شكّل هزة واضحة في بنية التوقعات الأردنية حيال "الضمانات الاستراتيجية" المفترضة من الحليف الأمريكي، وفقًا لما صرّح به الشوبكي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وبيّن أن التطورات لم تقف عند حدود المساعدات، فقد امتدت إلى الملف التجاري، حيث فُرضت رسوم جمركية أعلى بنسبة 20% على المنتجات الأردنية مقارنة بتلك المستوردة من دول حليفة أخرى، في خطوة بدت غير مفهومة سياسيًا ولا اقتصاديًا، خصوصًا في ضوء الشراكة التاريخية التي طالما تغنّى بها الطرفان، ومما زاد الطين بلّة، امتناع وزير الخارجية الأمريكي عن لقاء نظيره الأردني، وهو موقف دبلوماسي لا يُقرأ بوصفه بروتوكوليًا فحسب، وإنما يُحمّل رسالة رمزية ذات أبعاد سياسية ضاغطة.
وذكر الشوبكي أن هذه الوقائع، حين تُجمع ضمن سياق واحد، لا يمكن تأويلها إلا بوصفها إشارات قسرية موجهة نحو عمّان، ترمي إلى دفعها قسرًا لتليين موقفها حيال مخططات استراتيجية تلوح في الأفق، وعلى رأسها السيناريوهات المطروحة بشأن قطاع غزة، والتي تتراوح - وفق مصادر سياسية متقاطعة - بين إدارة القطاع أمنيًا من قِبل أطراف إقليمية، أو إعادة توطين سكانه ضمن ترتيبات إقليمية تفتقر للشرعية الأخلاقية والسياسية، فضلًا عن احتمالات مقلقة تتصل بمستقبل الضفة الغربية.
وتساءل ما إذا كان الأردن قد أحسن إدارة هذا الملف بالغ الحساسية على نحو يعكس ثقله التاريخي ومكانته الإقليمية؟... وهل وُضعت فعليًا سيناريوهات بديلة تتسم بالواقعية والجاهزية لحماية الاقتصاد الوطني والصناعة المحلية، في حال تفاقمت الأزمة وفرضت الولايات المتحدة شروطًا قد تمس سيادتنا السياسية أو تضعنا في موضع القبول الضمني بخطط لا تعبّر عن إرادتنا الوطنية؟.
ونوّه الشوبكي إلى أن السكوت في هذه المرحلة، وتحت وطأة هذه المعطيات، لم يعد ترفًا يمكن احتماله، ذلك أنه قد تحوّل إلى شكل من أشكال التفريط غير المباشر بالمصلحة الوطنية، فالخطر الذي يواجهه الأردن اليوم ليس خطرًا اقتصاديًا معزولًا، وإنما هو أزمة مركّبة تنمو من رحم ثلاثية مُقلقة، ألا وهي: تفاقم الدين العام، وانسداد أفق العدالة الاجتماعية، وتزايد القبضة الخارجية على القرار الاقتصادي.
وأردف أن تحصين الجبهة الداخلية لا يمكن أن يُبنى على قواعد التطمينات العامة أو الشعارات التقليدية، فهو يستلزم أولًا مصارحة جريئة تُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، وثانيًا بناء عقد اجتماعي جديد يستند إلى الثقة المتبادلة والمكاشفة الصادقة، لأن المواطن الأردني بات أكثر وعيًا من أن تُستهلك مشاعره بشعارات لا تنعكس على معيشته اليومية أو كرامته الوطنية.
واستطرد الشوبكي قائلًا إن الأردن، وإن كان بلدًا صغيرًا في المساحة، إلا أن حجمه الحقيقي يتجلى في صلابة نسيجه الاجتماعي، وفي صمود قراره السيادي أمام محاولات الابتزاز المتجددة.