زوقش تكتب: أنا الغزّيُّ والغزّيُّ أنا

{title}
أخبار الأردن -

  سيمازا زوقش

أوّل ما جعلني أهرعُ لفتحِ صفحةٍ بيضاء وأبدأ بالكتابةِ؛ هو: ياه، كم تشبهُ حياتنا اليومية التي نستحي من عيشها في ظلّ ما يحدث مع أشقّائنا على غربنا؛ ما يحدث مع أشقَّائنا على غربنا.

  في حياتنا اليومية نصادف الكثير من الناس ونتعامل مع شخصياتٍ مختلفة في العمل، الدراسة، ومع الأصدقاء والأقارب، وهنالك دائمًا تلك الفئة؛ التي نرى فيهم الوجه الحسن، والهندام الأنيق، يبدون في غاية النظافةِ والترتيب، كلامهم معسول وموزون يجعلنا نذوب في سحر دقّته وذكائه واهتمامه بالتفاصيل؛ والذي بدوره يجعل حضورهُ الأخير نظيفًا، خالٍ من الشوائب، ومريحٌ الى حد الاسترخاء، فيه من القبول الى حدّ كبير، تقبل به، وبآرآئه، وتظن أنّه الأصدق والأذكى وربما الأكثر فهمًا في العالم، تمامًا كما تفعل الدولة المُحتلة؛ بشوارعها النظيفة، وتطورها العلمي والتكنولوجيّ، ومظهرها الخارجي المسالم.

 هكذا وبهذا تتخدّر، وكذلك الأمر مع هذا الشخص الذي تضرب كلماته المنتقاة بعناية على وترٍ حسّاسٍ لديك؛ وترٌ لربما هو جَرحٌ عميق لم تكتشفه بعد، أو طيبة وبراءة  في غيرِ محلّها. يربكك؛ لتعتاد على ما يريده هو، ويحرص على سير العلاقة  بديناميكية تخدمه وحده. يسرق المشهد ويسلّط الضوء على نفسه بحذر ونعومة دون أن تلاحظ؛ وعندما تلاحظ وتصدر منك ردّة فعل ينزل عليك السخط الأكبر وتُبروز صورتك في ممر مجتمعكم الصغير على أنك السيئ والظّالم، ويغرقك بموجة حزن زائفة على أنّه الضحية، ويخفي بذكاء ما فعله من وراء الستار طيلة هذا الوقت، ويشّن عليك حربًا باردة تتضمن استراتجيات ذكية لخدمة موقفه.

 هذا الشخص موجودٌ في حياة كل واحدٍ منّا. وعلى الغربِ منا وبصورة أكثر وحشية متواجدٌ في حياةِ كلُ غزّيٍّ يصارع الموت الآن، بين كلّ حرفٍ أكتُبه والآخر، والفرق هنا أن الغزيّ يتعرض لحربٍ ساخنة، مباشرة، لا يرف لها جفن. بينما نحن، تشّن علينا الحرب الباردة؛ تنخر في وعينا دون أن نشعر. 

 أمّا الصمت الرهيب الذي نشهده اليوم، هو حالنا تمامًا مع المتلاعب في حياتنا وهذه هي طبيعة العلاقة التي يطمح لها معنا؛ يختبر حدودك، يتجاوزها، يراك ساكنًا، فيتمادى أكثر، باستراتيجية واضحة وجاهزية عالية. شأنه شأن العدو الذي بدأ بالإعتداء على جنوب لُبنان واليمن؛ أعطين ردة فعل فنزل عليها السخط، وسوريا التي بمجرد أن بدأت تنهض، جاءها التهديد، وهكذا يستمر التخدير. هذا حالنا وهذا حالهم.  نتعرض لنفس القذارة بأحوال مختلفة، وسبحان من خلق هذا الإختلاف بالأحوال بين مدينة وأخرى بجانبها تبعد عنها بضع الكيلومترات ولا نعرف ما الحكمة وإلى أين ستمشي بنا الحياة.

 ولا لم ولن ننسى، والله لم ولن ننسى، وأشفق على نفسي الّتي تحضّر فنجان الشّاي مع وجبة فطور أحاول أن أجعلها صحية كلَّ صباح، رغبةً مني باتباع نظام حياةٍ أفضل، رغم أن لا شيء في حياتنا يبدو صحيًّا؛ لا المواقف الدولية ولا القتل والإبادة ولا العلاقات السامة في حياتنا، ولكن ربما هذا هو كل ما أملك. أن أصبّ تركيزي على ما هو بيدي، كسحب طاقتي من هذه العلاقة السامّة، ومقاطعة المنتجات الداعمة للعدو، وأن أصنع لنفسي وجبة صحيّة معتنيةً بروحي وجسدي. أغذّي نفسي لأفكّر وأشعر وأقرّر وأكتُب؛ لعلَّ صوتي يصل، ولعلَّ كلمتي توقظُ أحدًا.

 سأجاهد بالكلمة، بالموقف، بالعلم، والمال ما حييت، كما الغزّي يجاهد بنفسه وروحه كل يوم. أنا الغزّي والغزّي أنا؛ عندما أمشي عن الخبر متجاوزةً لا مُتجاهلة، وعندما صرخت أمٌّ في غزة؛ مؤمنةٌ هي، ولكن قلبها انتفض كما قلبي؛ ألمًا على طفلها التي حملته تسعة اشهرٍ في بطنها ليأتي في جزء من الثانية صاروخٌ يُنهي حياته أمام أعيُنِها. أنا الغزيّ والغزيُّ أنا؛ عندما أقرر الخروج في رحلة إلى الطبيعة تنفيسًا عن حرقة القلب وأنا أشاهد على شاشة الهاتف شقيقي مبتسمًا ومؤمنًا وهو ملطّخًا بالدماء، وعندما نظر هو للكاميرا مُنفّسًا عن نفسه بابتسامةٍ في وجه العالم أجمع بالرغم من تلطّخه بالدماء والألم. 

 إن شعرت أنك تعرف تمامًا الشخص المتلاعب الّذي تحدثت عنه، فتعلّم مواجهته، تعلّم أن كيف تصبح شجاعًا، حازمًا، واثقًا، ومؤمنًا؛ لأنك بمكانك هذا، أنت غزة، ولكن إن شعرت بالحرج وأنت تقرأ، خجِلًا من نفسك، مدركًا أنّك على الطرف الآخر، انتبه؛ فأنت اسرائيل. 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير