هل قرار تأنيث المدارس كافٍ لصناعة بيئة تربوية آمنة أم أن التحديات أعمق مما نتصور؟

{title}
أخبار الأردن -

 

 

علق الخبير التربوي والاجتماعي الدكتور ذوقان عبيدات على إعلان وزارة التربية والتعليم بتأنيث الكوادر التعليمية في مدارس الذكور حتى الصف السادس، بقوله إن قرار "تأنيث المدارس" يُعدّ في جوهره قرارًا محايدًا من حيث المبدأ، إذ يمكن أن تتباين نتائجه بين الإيجابية والسلبية وفقًا لطبيعة المتطلبات والإجراءات المرافقة لتطبيقه إذ لا ينبغي إغفال أيٍّ منها تحت طائلة الوقوع في فخ العشوائية أو الارتجال.


وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الحاجة تبرز إلى تبني وزارة التربية والتعليم، ومن يؤازرها من الفاعلين في الشأن التربوي، حملة إعلامية منهجية وشاملة، تستهدف بالدرجة الأولى المجتمع المحلي بمختلف مكوناته، مضيفًا أن ضمان القبول المجتمعي لهذا التحول الجذري في بنية العملية التعليمية يشكل حجر الزاوية لنجاحه، بل ويحول دون بروز تيارات رافضة قد تسعى إلى عرقلته أو تشويهه.

وبيّن عبيدات أن الضرورة تفرض إرساء بيئة إرشادية محصّنة داخل المدارس، بحيث تُتاح للمرشدين التربويين ــ أو بالأحرى للمرشدات التربويات، في سياق التأنيث ــ الإمكانيات اللازمة ليكونوا بمثابة حائط صد واقعي وفعال، يحول دون تطور أي خلاف بين المعلمات والطلبة، خاصة أولئك الذين تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، إلى نزاعات حادة أو إشكاليات سلوكية معقدة.
وذكر أنه يجب إخضاع المعلمات لبرامج تدريبية متخصصة تركز على مهارات التعامل التربوي والنفسي مع المراهقين، وهي مرحلة عمرية تتسم بحساسية شديدة وتتطلب مقاربات تربوية دقيقة لا تحتمل الاجتهاد الفردي أو العفوية، ومن هنا، تبرز أهمية أن تكون المدرسة تحت رقابة دائمة وإشراف مباشر من قبل كوادر مؤهلة، قادرة على احتواء أية مشكلة في مهدها، وقبل استفحالها.

ونوّه عبيدات إلى تحقيق هذه الاشتراطات، سيسمح لوزارة التربية والتعليم بتحقيق قفزة نوعية في البيئة المدرسية، من خلال جعلها أكثر جاذبية وجمالًا، وهو هدف لا يمكن أن يتحقق تلقائيًا أو بمجرد استبدال المعلمين بالمعلمات؛ وإنما يتطلب جهدًا موازيًا يُعنى بتعزيز النواحي الجمالية والمعنوية للمدرسة بصورة منهجية ومدروسة، بغية الحد من احتمالية نشوء المشكلات السلوكية داخل الحرم المدرسي.

وأشار إلى أن وجود معلمات بدلًا من معلمين قد يسهم في خفض مستويات التهديد الشعوري الذي عادةً ما يشعر به الطلبة في ظل أنماط التدريس القائمة على السلطة الذكورية، ومن هذا المنطلق، قد يؤدي ذلك إلى تعزيز مناخ الأمن النفسي لدى الطلبة، بما ينعكس إيجابًا على معدلات الانضباط المدرسي ويقلص ــ وإنْ بدرجات متفاوتة ــ من ظاهرة التنمر، لاسيما تلك المرتبطة بالبنى السلطوية في البيئة المدرسية.

ولفت عبيدات الانتباه إلى أن تحسين طبيعة العلاقات بين المعلمات والطلبة ــ سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا ــ يُفضي إلى تدعيم مشاعر الانتماء والحب للمدرسة، إذ تصبح المعلمة أقرب إلى أن تكون قدوة حنونة وصارمة في آنٍ معًا، الأمر الذي ينعكس على مستوى التحصيل الدراسي، وعلى طبيعة القيم والسلوكيات التي يتبناها الطلبة لاحقًا.

ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى أن المدارس الخاصة قد سبقت إلى تجربة تأنيث التعليم، وقد أثبتت هذه التجربة نجاحًا ملموسًا، حيث بات الطلبة يتعاملون مع المعلمات بمعزل عن الاعتبارات الجنسية التقليدية، في مشهد يدلّ على أن نضج المجتمع المدرسي يلعب دورًا حاسمًا في إنجاح مثل هذه التحولات الكبرى، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

واستطرد عبيدات قائلًا إن النهوض ببيئة المدرسة، بموازاة رفع مستوى وعي المجتمع بأهمية هذه الخطوة، يشكلان معًا شرطًا لازمًا لضمان عدم انزلاق المشروع إلى أتون الفوضى أو مقاومة اجتماعية شرسة، إذ بغير ذلك، فإن الأصوات المعارضة لن تتردد في النفخ في جذوة الاعتراض، مستندة إلى رواسب ثقافية أو مخاوف مشروعة، قد تقوّض المبادرة برمتها.

وتابع أنه لا بد من الإقرار بأن المسألة تتجاوز إطار القرارات الإدارية أو الترتيبات المؤسسية، لتلامس في جوهرها بنية الوعي الجمعي وآليات تشكل الرأي العام، بما يستدعي مقاربات أكثر شمولًا وعمقًا في التعامل مع هذا التحول التربوي والاجتماعي.
وأشار عبيدات إلى أن النهوض بالتعليم يظل مرهونًا بقدرتنا على إدارة التحولات الكبرى بحكمة وذكاء، وعلى إدراكنا أن القرارات العميقة لا يمكن أن تنجح إلا إذا غُلفت بخطاب اجتماعي واعٍ، ومقاربة تربوية شاملة، ورؤية سياسية تستشرف مآلات المستقبل قبل أن يفرضه علينا الواقع فرضًا.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية