مشروع على الدولة أن تمضي به بعد حظر الإخوان
قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات إن العلاقة بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين تمر بمنعطف غير مسبوق في تاريخها، إذ تتجه الأمور، وفقًا للمعطيات والتطورات الأخيرة، نحو مرحلة جديدة من التصعيد قد توصف بأنها "مرحلة الاجتثاث السياسي والأمني"، إذ باتت الدولة تتبنى مقاربة أمنية أكثر جذرية، تقوم على توصيف الجماعة بوصفها تهديدًا مباشرًا للأمن القومي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن التصعيد الرسمي الأخير بدأ بإصدار بيانات أمنية تتضمن اتهامات خطيرة للجماعة أو لعناصر مرتبطة بها، تتراوح بين تصنيع متفجرات، وحيازة أسلحة، وتهريب وثائق أمنية حساسة، والتخطيط لاستهداف مؤسسات أمنية أردنية، مضيفًا أن هذه الاتهامات كانت مقدّمة لقرارات حاسمة، مثل وقف الأنشطة، ومصادرة الممتلكات، والتحقيق مع شخصيات قريبة من الجماعة.
وبيّن الحوارات أن اللافت في الرواية الأمنية الرسمية هو تأكيد ارتباط الخلية الأخيرة التي تم الإعلان عن تفكيكها بعناصر ذوي صلة تنظيمية مباشرة بالجماعة، إضافة إلى تلقيهم تدريبات في دول عربية، وهذا الربط بين البعد التنظيمي الداخلي والامتداد الإقليمي يُعدّ مرتكزًا رئيسيًا في الخطاب الأمني، إذ يتم توظيفه لتثبيت سردية مفادها أن الخطر أصبح عابرًا للحدود، وله أبعاد استخباراتية وتنظيمية خارجية.
وذكر أن هذا التصعيد الأمني تبعه سلسلة من الخطوات القانونية والتشريعية، تتضمن تعديلات على قوانين الجمعيات، الأحزاب، ومكافحة الإرهاب، بما يسمح بملاحقة جماعات أو كيانات يثبت ارتباطها بالجماعة، حتى وإن كانت تعمل بأسماء أخرى أو تقدم نفسها ككيانات مستقلة، وهذا سيفتح الباب على مصراعيه لإعادة هيكلة المجتمع المدني، ومنظومة العمل النقابي، وربما المشهد السياسي الحزبي برمّته.
وشدد الحوارات على أن التحرك الرسمي الأخير يتزامن مع تصاعد التوتر في الإقليم، لاسيما في ظل العدوان المستمر على غزة، الذي خلق موجة تعاطف شعبي جارفة في الأردن، إذ رأت الدولة أن جماعة الإخوان – أو بعض أجنحتها – تسعى لاستثمار هذا التعاطف لتعزيز مكانتها، بل وربما لتبرير امتلاك السلاح تحت غطاء "المقاومة"، وهنا تتبدى مخاوف الدولة من إعادة إنتاج سيناريوهات الفوضى عبر بوابة التأييد الشعبي للمقاومة.
ونوّه إلى أن ما يجري لا يخلو من انعكاسات داخلية خطيرة، إذ ثمة انقسام واضح في الرأي العام والنخب حيال ما تتعرض له الجماعة، فهناك من يرى فيها تهديدًا للأمن الوطني، بينما يعتبر آخرون أن ما يحدث هو تقييد للحريات أو تصفية لحسابات سياسية، وهذا الاستقطاب تجلّى في انتخابات نقابة الأطباء مؤخرًا، حيث حصد التيار الإسلامي نحو 46% من الأصوات، رغم الحملة الأمنية والإعلامية، وهو ما يشير إلى أن الجماعة – رغم ضعفها التنظيمي – لا تزال تحتفظ بخزان شعبي حقيقي لم ينضب بعد.
ولفت الحوارات الانتباه إلى أن السياسات الأردنية الراهنة تُرسل إشارات حازمة إلى القوى الإقليمية التي دعمت الجماعة أو وفّرت لها غطاء سياسيًا وماليًا، مثل تركيا وقطر، وربما إيران.
وتساءل الحوارات ما إذا كانت الدولة تمتلك استراتيجية بديلة لاحتواء القواعد الاجتماعية للجماعة، ذلك أنها شكّلت عبر عقود خزانًا بشريًا كبيرًا، يصعب تجاهله أو كبحه بمجرد الإجراءات الأمنية، مضيفًا أن تفكيك التأثير الإخواني، إن لم يرافقه مشروع وطني جامع قادر على استيعاب هذه القواعد، فقد يُنتج فراغًا يُملأ إما بالفوضى أو بتيارات أكثر تطرفًا.

