4 دلالات مؤرقة تجزم مساعي إجهاض الدولة السورية
قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور محمد الزغول إن ضبط قوات الأمن العام السوري لشحنة أسلحة ضخمة يوم الاثنين الماضي، في محيط مدينة إزرع التابعة لمحافظة درعا، يكشف عن مؤشرات استراتيجية بالغة الخطورة، تتجاوز في مضامينها البُعد الأمني الضيق، لتفتح الباب أمام قراءة أوسع لمعادلات النفوذ، وتشابك الأجندات الإقليمية والدولية المتصارعة على الأرض السورية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ما تضمّنته الشحنة من صواريخ مضادة للدروع، وأسلحة نوعية كانت في طريقها من دمشق إلى السويداء، ليس تفصيلًا هامشيًا ولا تطورًا عابرًا، إذ يعد جزءًا من بنية تحتية موازية تُبنى بعناية في الظلّ، تُستثمر فيها شبكات التهريب وأذرع النفوذ المحلي، وتُدار وفق حسابات دقيقة تعكس إصرارًا إيرانيًا غير قابل للمساومة على الاستمرار في إعادة هندسة الداخل السوري بما يخدم مشروعها التوسعي طويل الأمد.
وبيّن الزغول أن ما يضاعف من خطورة الحدث، حصوله في وقت بالغ الحساسية، إذ تتكثف فيه المحادثات غير المعلنة بين طهران وواشنطن، وتتوالى فيه الرسائل الرمادية من طهران تجاه العواصم العربية، بيد أنّ هذا الضبط الأمني يؤكد – بما لا يدع مجالًا للشك – أنّ إيران لم تغيّر في جوهر استراتيجيتها، وأن أي قراءة تفاؤلية لانكفائها المرحلي ما هي إلا إسقاطات وهمية، إذ إن المشروع الإيراني بطبيعته قائم على التمدد الأفقي في النسيج العربي، عبر أدوات متعددة: طائفية، وعسكرية، واقتصادية، وثقافية.
أما إذا سلّمنا – كما ترجّح المعطيات الميدانية – بأن الوجهة النهائية للشحنة كانت محافظة السويداء، فإننا نكون أمام نقطة تحوّل بالغة الدلالة على صعيد الاصطفافات الإقليمية، إذ ثمة ما يشير إلى تقاطع غير معلن – أو ربما تفاهمات ضمنية – بين طهران وتل أبيب في ما يتعلّق بإعادة تشكيل خارطة النفوذ المحلي داخل سوريا، فالدور الإيراني في الجنوب السوري، إذا ما اتجه نحو تعزيز القدرات العسكرية للطائفة الدرزية في السويداء، يصب من حيث النتيجة في ذات الاتجاه الذي لطالما سعت إليه إسرائيل، والتي تنظر إلى السويداء بوصفها منطقة عازلة، يمكن توظيفها في سياق تفكيك الدولة السورية، وخلق مراكز قوى مستقلة تعيق أي مشروع مركزي جامع، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وذكر الزغول أن ما يجمع بين إيران وإسرائيل – على اختلاف الشعارات والمواقف الظاهرية – هو رغبة مشتركة في إبقاء سوريا دولة فاشلة، ومتآكلة، تعاني من هشاشة مزمنة تحول دون تعافيها أو استعادة سيادتها الكاملة، مضيفًا أن هذه المصلحة المشتركة، وإن بدت غير منسّقة تنظيميًا، إلا أنها في نتائجها تخدم الطرفين، وتُبقي سوريا حقلًا مفتوحًا لإعادة التدوير الجيوسياسي.
ولفت الانتباه إلى أن المبادرات العربية – بما فيها التفاهم السعودي الإيراني برعاية صينية – محدودة الأثر، حتى أنها عاجزة عن كبح السلوك الإيراني العدائي تجاه الأمن القومي العربي، فطهران لم تُبد أي استعداد حقيقي لإعادة النظر في استراتيجيتها التخريبية، ولم تُظهر حتى اللحظة أدنى مؤشرات التحوّل نحو مقاربة بنّاءة، بل على العكس، تُواصل توسيع شبكات تسليحها، وتعميق اختراقها للمجتمعات الهشّة، وتوظيف كل فراغ سياسي أو أمني لمصلحتها.
ونبّه الزغول إلى أنّ هذه الشحنة قد لا تكون سوى رأس جبل الجليد، وأن ما خفي أعظم، فمن غير المستبعد أن يكون هناك مسارات موازية لتسليح ميليشيات أخرى، وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الشمال الشرقي، أو فلول النظام البعثي القديم في الساحل السوري، أو حتى خلايا كردية متطرفة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، مستطردًا أن هذا يعني، باختصار، إعادة طهران تفعيل شبكة "الفوضى المنظمة" في سوريا، مستفيدة من التراخي الدولي، وانشغال العواصم الكبرى بجبهات أخرى، في أوكرانيا والبحر الأحمر وشرق آسيا.
وحذّر من أننا أمام مشهد خطير، تتقاطع فيه أدوات التهريب العسكري مع مشروع تفكيكي واسع النطاق، وتلتقي فيه المصالح المتضادة عند نقطة مشتركة، وهي إجهاض الدولة السورية، ومنعها من النهوض، وهذا يفرض على الدول العربية إعادة تقييم سياساتها، لا سيما تلك التي تنطلق من فرضية أن إيران يمكن "احتواؤها" بالحوار أو عبر إغراءات الاستثمار، فالواضح أن طهران لا تفهم سوى لغة التمدد، وتتعاطى مع كل تهدئة باعتبارها فرصة لإعادة التموضع، وليس كدعوة إلى التراجع.

