هل تقترب الدولة من لحظة الحسم مع الجماعة؟
• الدولة لم تنزلق إلى حافة القطيعة أو المواجهة المفتوحة مع أي تيار فكري أو سياسي
• الدولة لم تمارس حملات استئصال سياسي ممنهج، ولم تتخذ إجراءات اجتثاث تنظيمي شامل
• النهج الأردني يستدعي أن يُقابل من الطرف الآخر – أي الجماعة – بدرجة موازية من الإدراك والوعي بالخصوصية الوطنية
• الدولة لا تسمح لأي جهة بالعمل في الظل، أو تجاوز السلطة الشرعية، أو محاولة فرض أجندة موازية لمنطق الدولة
• الرصيد التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن لا يعفيها من واجب التحديث والتحول، ولا يمنحها شيكًا مفتوحًا لتجاوز الدولة أو القفز فوق القانون
• الولاء للدولة ليس شعارًا يُرفع عند الحاجة، وإنما التزام سلوكي وفكري دائم
• المرحلة لا تحتمل إعادة إنتاج خطاب المظلومية أو الاصطفاف الحزبي الحاد أو التلويح بثنائيات مصطنعة من قبيل "الدولة ضد الجماعة" أو "الأمن ضد المقاومة"
قال الكاتب والمحلل الدكتور غيث القضاة إن الوقائع الأخيرة المتعلقة ببعض عناصر جماعة الإخوان المسلمين لا تنفصل عن السياق الوطني العام، الذي تتشابك فيه اعتبارات الأمن والاستقرار مع موجبات الانفتاح السياسي والتعددية، في إطار دولة ظلت، على مدى عقود، تحرص على ترسيخ معادلة دقيقة تحفظ للدولة هيبتها وللمجتمع تنوعه، دون أن تنزلق إلى حافة القطيعة أو المواجهة المفتوحة مع أي تيار فكري أو سياسي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الأردن قد شكّل، على امتداد تاريخه الحديث، استثناءً عربيًا في كيفية تعاطيه مع ملف جماعة الإخوان المسلمين؛ إذ آثر – عن وعي سيادي وحكمة مؤسسية – تفادي اللجوء إلى المقاربات الأمنية القاسية التي اتُّبعت في عدد من الأقطار العربية، إذ لم يشهد الأردن حملات استئصال سياسي ممنهج، ولا اتخاذ إجراءات اجتثاث تنظيمي شامل، رغم صدور حكم قضائي سابق بحل الجماعة ومنعها من ممارسة أي نشاط رسمي.
وبيّن القضاة أن الأجهزة السيادية، وعلى رأسها دائرة المخابرات العامة، ظلّت تزن خطواتها بميزان دقيق، يستند إلى إدراك عميق لطبيعة البنية المجتمعية الأردنية وتوازناتها الحساسة، ويُراعي – في الوقت ذاته – اعتبارات الأمن القومي وسط إقليم مضطرب.
وأشار إلى أن هذا النهج الأردني، الذي يجمع بين الحزم والتعقّل، يستدعي أن يُقابل من الطرف الآخر – أي الجماعة – بدرجة موازية من الإدراك والوعي بالخصوصية الوطنية التي تُميز الحالة الأردنية عن غيرها، وأن يُثمّن كمعطى سياسي أصيل، لا يُختزل في لحظة أو يُسقط بالخصومة، غير أن التطورات الأخيرة، التي تمثّلت في الكشف عن خلية مرتبطة ببعض المنتمين إلى الجماعة، كانت بمثابة ناقوس خطر يستدعي التوقّف لا عند تفاصيل الحدث فحسب، وإنما عند خلفياته ودلالاته وسياقاته السياسية والتنظيمية.
ونوّه القضاة إلى أن التورط في تصنيع صواريخ أو طائرات مسيّرة أو متفجرات، تحت أي ذريعة كانت، يُعدّ جريمة مكتملة الأركان تمسّ هيبة الدولة وأمنها، مضيفًا أن التذرع بمقولة "دعم المقاومة" لا يصلح – بحال من الأحوال – لتبرير أفعال من هذا النوع، فالدولة الأردنية، بما تمثّله من موقع استراتيجي حساس، ومكانة سيادية راسخة، لا تسمح لأي جهة – فردية كانت أم تنظيمية – بالعمل في الظل، أو تجاوز السلطة الشرعية، أو محاولة فرض أجندة موازية لمنطق الدولة.
وإذا كانت أجهزة الأمن قد تعاملت مع القضية بحرفية واحترافية، رافضة استباق التحقيقات أو تسريب الاتهامات، فإن الردّ الإعلامي والسياسي الذي صدر عن حزب جبهة العمل الإسلامي جاء – للأسف – انفعاليًا ومتعجّلًا، واتسم باستدعاء شعارات استباقية لا تستند إلى معلومات دقيقة، وإنما تعتمد على دغدغة عواطف الجمهور وتغذية الانقسام، متجاهلة حقيقة أن الملف لا يزال في عهدة القضاء، الذي يحتكم إلى معايير العدالة والنزاهة، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ولفت القضاة الانتباه إلى أن ما يُضاعف من حجم المفارقة أن الجماعة، التي كثيرًا ما افتخرت بأنها تنظيم دعوي تلتزم بالسلمية وتنبذ العنف، وجدت نفسها أمام اختبار حقيقي حين ارتبط اسم بعض منتسبيها بأفعال لا يمكن تفسيرها خارج دائرة التخطيط التخريبي أو التهديد الأمني، حتى وإن تم تغليفها بخطاب المقاومة، مؤكدًا ضرورة التمييز بوضوح بين الانتماء التنظيمي من جهة، وبين التصرفات الفردية التي قد تصدر عن عناصر محددة، دون أن تمثّل الموقف الرسمي أو النهج العام للجماعة، إلا أن هذا التمييز، على أهميته، لا يُعفي قيادة الجماعة من مسؤولية سياسية وأخلاقية تفرض عليها مراجعة جذرية، تتناول مسلكيات الأفراد، والبنية التنظيمية التي سمحت بمثل هذا الانحراف.
وقال إن الرصيد التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وما قدمته من مواقف وطنية في محطات مصيرية، لا يعفيها من واجب التحديث والتحول، ولا يمنحها شيكًا مفتوحًا لتجاوز الدولة أو القفز فوق القانون، بل على العكس، فإن هذا الرصيد ذاته يُحتّم عليها أن ترتقي إلى مستوى اللحظة الوطنية الراهنة، وأن تعيد النظر، وبشجاعة، في طبيعة علاقتها مع الدولة، وأن تفكّ الارتباط العضوي بين الحزب السياسي المرخّص وبين الجماعة الأم، خاصة وأن هذا الارتباط بات يشكّل عبئًا سياسيًا وأمنيًا يُقيد الحركة الحزبية ويشوّش على وظيفتها الدستورية.
ونبّه القضاة إلى أن المرحلة الراهنة، بما تحمله من تحديات أمنية واقتصادية وسياسية، لا تحتمل إعادة إنتاج خطاب المظلومية أو الاصطفاف الحزبي الحاد أو التلويح بثنائيات مصطنعة من قبيل "الدولة ضد الجماعة" أو "الأمن ضد المقاومة"، فمثل هذه الاستقطابات لم تعد تُجدي، فقد باتت تُلحق ضررًا بالغًا بسلامة الجبهة الداخلية، وتفتح الأبواب أمام أطراف خارجية لا تريد بالأردن خيرًا، ومن هنا، فإن المطلوب هو خطاب وطني رشيد، يعلي من شأن القانون، ويثق في مؤسسات الدولة، ويؤمن بأن الاستقرار ليس منحة تُطلب، بل مسؤولية تُبنى.
وأشار إلى أن الدولة الأردنية –بقيادتها ومؤسساتها– لم تُغلق أبوابها أمام أي تيار، ولم تحرم أحدًا من حق المشاركة، لكنها، في الوقت ذاته، لن تتسامح مع أي محاولة للمساس بأمنها أو القفز فوق سيادتها، فالولاء للدولة ليس شعارًا يُرفع عند الحاجة، وإنما التزام سلوكي وفكري دائم، ومن أراد أن يشارك في بناء الأردن، فعليه أن يلتزم بشروط الدولة، لا بشروط الجماعة.

