هل تحول المواطن إلى ممول دائم لعجز السياسات؟... عايش يجيب "أخبار الأردن"

- القانون تضمن وجود بعض البنود “التجميلية”
- الحكومة تدّعي غياب التدخل البشري، لكن المعادلات نفسها تُعدّ وتُصاغ وفقًا لاجتهادات بشرية
- الحكومات المتعاقبة، مهما بدت مغايرة، تعود مرارًا وتكرارًا إلى ذات النهج القائم على تعظيم الإيرادات عبر فرض الضرائب
- قانون الضريبة الجديد كشف مجددًا عن ميل متأصّل لدى صانع القرار نحو الجباية كخيار أوحد
- الضريبة العقارية المرتقبة ستقتطع ما بين 8 إلى 10% من دخل الأسرة، وهي نسبة تفوق ما يُنفق على قطاعات أساسية كالتعليم أو الصحة
- نحن أمام مشروع قانون ضريبي لا يأخذ في الاعتبار واقع الناس، ولا الكلف المعيشية التي يئنّون تحت وطأتها
- المواطن بات يشعر وكأنه يستأجر منزله من الدولة، نظرًا لارتفاع الضرائب العقارية
- التشريعات والأنظمة غالبًا ما تأتي فضفاضة، ومعوّمة، وغير محكمة الصياغة القانونية، ما يجعلها عرضة لتفسيرات متباينة
قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن القانون الجديد المتعلق بضريبة الأبنية والأراضي تضمن وجود بعض البنود "التجميلية"، والتي تتحدث عن تطوير آليات التقدير العقاري، وتحسين قدرة المواطنين على معرفة القيمة الفعلية لعقاراتهم، وهي إشارات إيجابية في ظاهرها؛ إلا أن الإشكالية لا تكمن في الشكل، وإنما تتجذّر في مضمون المعادلات التي ستُعتمد كمدخلات لاحتساب قيمة الأراضي والمباني، والتي ستُبنى على أساسها الضرائب المفروضة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الحكومة تدّعي غياب التدخل البشري المباشر في آلية التقدير، وأن النظام الجديد يعتمد على معادلات محوسبة، إلا أن هذا لا يُلغي حقيقة أن تلك المعادلات نفسها تُعدّ وتُصاغ وفقًا لاجتهادات بشرية تحمل في طياتها توجهات مالية لا تخلو من انحياز إلى الحلول الجبائية.
وهنا تبرز الإشكالية الأكبر، إذ بات واضحًا أن الحكومات المتعاقبة، مهما بدت مغايرة في طروحاتها أو أكثر انفتاحًا في خطابها، تعود مرارًا وتكرارًا إلى ذات النهج القائم على تعظيم الإيرادات عبر فرض الضرائب، متجاهلةً ما إذا كانت تلك السياسات تتناغم مع الواقع المعيشي أو تراعي الحدود الدنيا للعدالة الاقتصادية والاجتماعية، وفقًا لما صرّح به عايش لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وبيّن أن المواطن عوّل في بداية الأمر على أن هذه الحكومة ستنتهج نهجًا مختلفًا، خاصة بعد أن قدّمت نفسها في إطار اقتصادي - اجتماعي يُلامس احتياجات الناس، إلّا أن قانون الضريبة الجديد كشف مجددًا عن ميل متأصّل لدى صانع القرار نحو الجباية كخيار أوحد، مضيفًا: "هل يُعقل أن تصبح شقة تُقدّر قيمتها بـ100,000 دينار خاضعة لضريبة سنوية قدرها 1,000 دينار؟ إن ما كان يُدفع سابقًا من ضرائب مثقفات لم يتجاوز العشرات من الدنانير، فكيف يُقبل أن تتحول هذه الالتزامات إلى آلاف؟".
واستطرد عايش قائلًا إنه ووفقًا لمعدلات الدخل السائدة، ومع متوسط دخل سنوي للأسرة الأردنية لا يتجاوز 11,500 دينار، فإن الضريبة العقارية المرتقبة ستقتطع ما بين 8 إلى 10% من دخل الأسرة، وهي نسبة تفوق ما يُنفق على قطاعات أساسية كالتعليم أو الصحة، والتي لا تتجاوز مجتمعة 4 إلى 5% من الإنفاق الأسري، ما يعني أن الضريبة المقترحة تلتهم الحصة الأكبر من دخل الأسرة وتُقوّض قدرتها على الادخار، بل وتُجبرها على الاستدانة لتلبية التزاماتها الأساسية.
وهنا يطرح السؤال الجوهري: هل يمكن لصانع السياسات أن يغفل هذه التداعيات، أم أن التشريعات تُفرض من غرف مغلقة لا تعرف شيئًا عن الواقع المعيشي للمواطن؟... وهل هذه القوانين تُستورد جاهزة، ثم يُعاد تغليفها بما يُناسب سياقنا تحت مسمى "أردنة السياسات"، دون أي مراعاة للعدالة الاجتماعية أو التدرج الضريبي؟، كما تساءل وذكر.
وتابع عايش أنه لا خلاف على ضرورة فرض ضرائب عادلة على الثروات غير المنتجة، كالعقارات الراكدة والأراضي المحتكرة، فتنمية هذه الثروات غالبًا ما تتم بفعل التطور العام للمجتمع، وليس نتيجة جهد فردي خاص، ولكن من غير المقبول – لا منطقيًا ولا اجتماعيًا – أن يُساوى من يمتلك دونمًا أو دونمين بمن يحتكر آلاف الدونمات، أو أن يخضع مالك شقة بـ100,000 دينار لنفس النسبة التي يُخضع لها من يمتلك عقارًا بقيمة نصف مليون أو مليون دينار.
وأضاف أن ما نعيشه حاليًا ليس سوى عقاب ممنهج للمواطن الذي أفنى عمره في السعي وراء "قرض إسكان"، ليجد نفسه أمام قانون يطالبه بتسديد آلاف الدنانير سنويًا، لا لشيء إلا لأنه امتلك سقفًا يحتمي به.
وصرّح عايش: "إذا كنا ننتقد ازدواجية المعايير في السياسات الدولية، كما حدث عندما فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على الأردن بنسبة 20% وهي ذات النسبة التي فرضتها على دول كبرى، فإن الأولى أن نُراجع سياساتنا الداخلية التي باتت تُعامِل الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل كأنها طبقة رأسمالية ثرية، وتُصاغ القوانين بما يُلغي الفروق الجوهرية في الملكية والدخل والمعيشة".
وفي الوقت الذي تسجل فيه دول الاتحاد الأوروبي فائضًا تجاريًا مع الولايات المتحدة يقدر بـ350 مليار دولار، نجد أن الفائض التجاري الأردني مع واشنطن لا يتجاوز 900 مليون دينار، وهو ما جعل الأردن يشتكي من الظلم في توزيع الأعباء، ومن العشوائية التي أُقرت بها النسب الجمركية العالمية، كما أشار.
وبيّن أننا أمام مشروع قانون ضريبي لا يأخذ في الاعتبار واقع الناس، ولا الكلف المعيشية التي يئنّون تحت وطأتها، ولا لهاثهم اليومي وراء تأمين أساسيات الحياة، ثم نأتي بعد كل ذلك لنُضيف فوق أعبائهم أعباءً جديدة! في الحقيقة، مضيفًا أن ما يُطرح اليوم يشير إلى محاولة تدريجية لتحويل القطاع العقاري إلى بديل جديد في الإيرادات الضريبية، وذلك تعويضًا عن تراجع إيرادات الضريبة على المشتقات النفطية بسبب التوجه المتزايد نحو السيارات الكهربائية.
"وكأن الحكومة تبحث دائمًا عن منفذ لتعويض خسائرها، لكنها لا تُفكر في لحظة أن من يدفع الثمن هو المواطن، ففي العديد من الدول، يتم فرض ضرائب مؤقتة، تُرفع أو تُلغى بعد حين، لكن في الأردن يبدو أن المواطن محكوم عليه أن يتعرض للضرائب في كل حين، وبأشكال متعددة، ووفق مناسبات متنوعة"، وفقًا لما قاله عايش لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونبّه من أن نتيجة هذه السياسات الضريبية باتت تكبّل الاقتصاد، وتُبقي الأداء الاقتصادي أقل من مستوياته الطبيعية، فضلًا عن أنها تعيق حركة القطاعات الحيوية، وعلى رأسها القطاع العقاري، الذي يُعد من المحركات الأساسية للاقتصاد الوطني.
وحذّر عايش من أن المواطن بات يشعر وكأنه يستأجر منزله من الدولة، نظرًا لارتفاع الضرائب العقارية، ومع هذا الشعور، يتحول إلى كائن يومي، يعيش في حالة مطاردة مستمرة بين ضريبة وأخرى، ما يجعله غارقًا في تفاصيل المعيشة، بعيدًا عن أي انشغال أو اهتمام بقضايا وطنية أعمق.
وقال إن الحديث عن قانون ضريبة جديد لا يمكن أن يكون منعزلًا عن المطالبة بقانون عادل للضريبة على الثروات، فالذين يراكمون الثروات، بكل أشكالها، يجب أن يسهموا بواجبهم تجاه الوطن، بدلًا من تحميل الفئات المتوسطة والفقيرة وحدها عبء الميزانية.
"المواطن الأردني يريد أن يفهم: ما هي فلسفة الضريبة في الأردن؟... وكيف يتم تجويد الخدمات العامة في مقابل كل هذه الضرائب؟، إذ إن الجزء الأكبر من هذه الإيرادات يذهب لسداد فوائد الديون، ما يعني أنها لا تُسهم فعليًا في تعزيز التنمية أو تحسين حياة الناس"، وفقًا لما صرّح به عايش لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ودعا للانتقال إلى سياسة اقتصادية أوسع، قادرة على توليد نمو حقيقي يتجاوز معدل 2.5% الراكد منذ سنوات، وآن الأوان لرفع دخول المواطنين، فحينها فقط يمكن الحديث عن فرض الضرائب من عدمه.
واستطرد عايش قائلًا إن أي قانون، إن لم يُبنَ على حالة اقتصادية حقيقية يعيشها الناس، أو يمهد لحالة جديدة أفضل، فهو قانون غير مبرر.
وأكد أن التخمين، كأداة ضريبية، يجب أن يكون محكومًا بقواعد واضحة، ومعايير شفافة، إلا أن ما يحدث حاليًا هو أن التشريعات والأنظمة غالبًا ما تأتي فضفاضة، ومعوّمة، وغير محكمة الصياغة القانونية، ما يجعلها عرضة لتفسيرات متباينة، يدفع ثمنها المواطن والمستثمر والاقتصاد معًا، وقد يحدث أحيانًا أن يختلف الموظفون داخل نفس الدائرة في تفسير نفس القانون!.