مطامع دولية ترسم مستقبل الشرق الأوسط في ظل غياب الإرادة العربية

{title}
أخبار الأردن -

قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات إن مخرجات اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، تبرز بوضوح أن "مثلث التأثير" الإقليمي، المكوّن من إسرائيل، وتركيا، وإيران، كان حاضرًا في خلفية المشهد السياسي بشكل صريح وغير قابل للتجاهل.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن فقد ترامب، أشار بوضوح، إلى علاقته المتينة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واصفًا إياه بالصديق القادر على لعب دور في تسوية الخلافات بين أنقرة وتل أبيب في أي وقت، لافتًا الانتباه إلى اقتراب انطلاق مفاوضات مع إيران، وهو ما يُعد بمثابة اعتراف صريح بدور طهران ونفوذها المستقبلي، شريطة انخراطها في مفاوضات تؤدي إلى تقييد برنامجها النووي، أو على الأقل ضبطه بما لا يتيح إنتاج قنبلة نووية.

وبيّن الحوارات أننا أمام صراع نفوذ معلن ومعترف به دوليًا، تديره الولايات المتحدة عبر أدوات مزدوجة من الضغط والدبلوماسية، وتسعى من خلاله إلى صياغة توازن جديد في الشرق الأوسط بين القوى الثلاث، كلٌّ بحسب موقعه وطموحاته، مضيفًا أن إسرائيل، في هذا السياق، لا تُخفي سعيها نحو تعزيز هيمنتها الإقليمية، لا سيما من خلال محاولة تحجيم الدور الإيراني واستغلال حالة الفراغ السياسي والأمني في كل من سوريا ولبنان والعراق.

ونوّه إلى ان سلوك إسرائيل الأخير في جنوب سوريا، المتمثل بتدمير ما تبقى من قدرات الجيش السوري، لا يمكن قراءته إلا كمحاولة لإعادة رسم السيناريو الأمني، تمهيدًا لصياغة واقع سياسي جديد يتسق مع أجندتها الجيوسياسية، وهي في ذلك، تصطدم مع تركيا التي تسعى، من جهتها، إلى استعادة موقع إقليمي متقدم يمكنها من التأثير الفاعل في موازين القوى، فقد سبق لأنقرة أن تصارعت مع طهران داخل الساحة السورية، فيما تسعى إسرائيل اليوم إلى إضعاف النفوذ التركي الناشئ هناك، بغية الإبقاء على سوريا كساحة مفتوحة أمام تمددها الأمني والاستراتيجي.

وفي المقابل، تتمسك تركيا بدورها المتصاعد في المنطقة، محاولة بناء مراكز قوى تمكنها من فرض نفسها فاعلًا إقليميًا وازنًا في المعادلة المقبلة، في حين أن الدول العربية، ولأسباب متعددة تتراوح بين الانشغال بأزماتها الداخلية وافتقارها إلى رؤية موحدة، لم تعد قادرة على لعب دور قيادي أو حتى توازني في خضم هذه التحولات، الأمر الذي أسهم بشكل مباشر في توسيع هوامش التأثير لدى القوى غير العربية، وعلى رأسها إسرائيل وتركيا وإيران، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

ولفت الحوارات الانتباه إلى أن هذا الفراغ العربي، الذي يُشكّل بيئة خصبة لتنامي التدخلات الخارجية، يُنذر بمزيد من التفتت، ويضع المنطقة على عتبة صراع مفتوح على النفوذ، خاصة في ظل غياب أي مشروع عربي موحد قادر على مجاراة المشاريع المتصارعة على الجغرافيا والقرار.

واستطرد قائلًا إن استمرار غياب التفاهم بين القوى الإقليمية الكبرى، في ظل انعدام أي تسوية شاملة، يُبقي المنطقة مرشحة للدخول في دوامة من الفوضى المديدة، وهو ما يحاول ترامب الحدّ منه عبر طرح مفاوضات مع طهران، ومع ذلك، فإن جوهر المشكلة يبقى في غياب إرادة حقيقية لإعادة الاعتبار للدولة الوطنية في بلدان مثل سوريا، والعراق، ولبنان، حيث لا تزال المؤسسات تنهار، وتُدار الساحات بالوكالة، ما يمنح الآخرين الذرائع لمزيد من التدخل.

ونبّه من أن نجاح إسرائيل في تحجيم الدور الإيراني، وتمكّنها من فرض رؤيتها الأمنية في المنطقة، بدعم أميركي مباشر، يضعنا أمام سيناريو هيمنة إسرائيلية شاملة، خاصة إذا لم تدخل في مواجهة مفتوحة مع تركيا، وهو ما يُرجّح أن تسعى واشنطن إلى تجنبه، حفاظًا على توازن هشّ لكنه قابل للإدارة.

وقال الحوارات إن السيناريو البديل يتمثل في اتفاق غير مُعلن بين هذه القوى على تقاسم النفوذ، بحيث تتجنب الصدام العسكري المباشر، لأسباب تتعلق بالكلفة الباهظة لأي مواجهة، والمآلات غير المحسومة للصراع، ومع أن مثل هذا التوازن سيبقى هشًا، إلا أنه يُبقي الولايات المتحدة في موقع الحكم الخارجي الذي يُراقب، ويتدخل عند الحاجة، ويمسك بخيوط اللعبة من خارج الميدان.

وتابع أنه في حال تصاعد التوتر حول البرنامج النووي الإيراني، فإن احتمالات التدخل الدولي الواسع ستزداد، وقد تُفضي إلى تحويل المنطقة برمتها إلى ساحة لصراع عالمي، خاصة إذا دخلت قوى أخرى كروسيا والصين على خط التفاعل.

ورجّح الحوارات دخول الشرق الأوسط مرحلة إعادة تشكّل جذرية في بنيته الجيوسياسية، لكن مآلات هذه المرحلة تبقى مرهونة بمدى قدرة القوى الإقليمية على إدارة مطامعها، والقبول بتسويات تضمن توازنًا نسبيًا في المصالح، دون الانزلاق إلى حرب شاملة، وفي ظل الغياب شبه الكامل للدور العربي، فإن مصير المنطقة بات إلى حد كبير رهينة لمعادلات تُرسم خارج حدودها، وتُدار بمنطق القوة لا الشراكة، الأمر الذي يُبقي الباب مفتوحًا على احتمالات التقلبات والصراعات الممتدة، ما لم تفرض إحداها واقعًا جديدًا يُعيد تعريف مركز الثقل الإقليمي لعقود قادمة.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية