هذا مصير من يحاول المساس بالجيش والأجهزة الأمنية

{title}
أخبار الأردن -

 

شدد أستاذ القانون الدستوري الدكتور ليث نصراوين، على أن الحماية القانونية التي كفلها الدستور الأردني لأفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية تعد تجسيدًا لنظرة المشرّع الدستوري إلى هذه المؤسسات بوصفها الحصن الأخير لصون السيادة الوطنية، وتثبيت أركان الأمن الداخلي والاستقرار العام.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المادة 127 من الدستور تُشكّل مرتكزًا محوريًا في هذا السياق، حيث تنص بشكل لا لبس فيه على أن مهمة الجيش العربي تنحصر في "الدفاع عن سلامة الوطن وأمنه"، ما يضع هذه المؤسسة في صلب الوظيفة الدستورية ويمنحها ولاية سيادية لا تقبل التجزئة أو التأويل، الأمر الذي يجعل المساس بها أو النيل من مكانتها بمثابة تعدٍّ على أحد أعمدة الدولة الدستورية.

وأشار نصراوين إلى أن المشرّع لم يترك تفاصيل عملها عرضة للاجتهاد، فقد نصّ على وجوب تنظيمها بموجب "قانون خاص"، ما يعكس إدراكًا تشريعيًا عميقًا لحساسية هذه المؤسسات ودورها المفصلي في الدفاع عن هيبة الدولة وكرامة الشعب، وبالتالي، فإن هذا القانون يضفي طابعًا فوقيًّا على موقع الجيش والأمن ضمن المنظومة المؤسسية.

وبيّن نصراوين أن المادة 40 من الدستور تمنح جلالة الملك، وبإرادة ملكية منفردة، صلاحية تعيين قادة هذه الأجهزة، دون اشتراط توقيع رئيس الوزراء أو الوزراء المختصين، وهو ما يُفسّر قانونيًا باعتباره تحصينًا دستوريًا لهذه المناصب ضد أي تدخلات سياسية أو حزبية قد تُقوّض حياديتها أو تنال من استراتيجيتها الوطنية.

ويزداد هذا الإطار الدستوري ترسّخًا عبر المادة 32 من الدستور، التي تمنح الملك صفة "القائد الأعلى للقوات المسلحة"، وهو توصيف يتجاوز البعد البروتوكولي، ليُشكّل امتدادًا لسلطة الملك الرمزية والسيادية في قيادة الأجهزة التي تُمثّل القوة التنفيذية العليا للدولة، الأمر الذي يجعل أي إساءة موجّهة لمنتسبي هذه الأجهزة بمثابة إساءة معنوية لموقع الملك ذاته، وفقًا للمنطق الدستوري والسياسي المعتمد.

ونوّه نصراوين إلى أهمية المادة 37، التي تنص على أن منح الرتب العسكرية والأوسمة يتم بإرادة ملكية، ما يعكس إشرافًا مباشرًا وشخصيًا من القيادة العليا على هيكلية السلم العسكري، في تمييز جوهري بين المؤسسة الأمنية والمؤسسات المدنية، التي تخضع لأنظمة إدارية بيروقراطية لا تتمتع بهذا المستوى من الارتباط بالقرار السيادي الأعلى.

وأشار إلى أن الفقرة الثانية من المادة 6 من الدستور تُكرّس مفهوم "الدفاع عن الوطن ووحدة شعبه" كـ"حق مقدس"، وهو توصيف لا يُمكن قراءته إلا في سياقٍ يُلزم الأفراد قانونيًا وأخلاقيًا بواجب احترام هذه المؤسسات والدفاع عن حيادها واستقلاليتها، باعتبارها ليست أدوات تنفيذية فقط، بل تجلٍ ملموسٌ لفكرة الدولة الحديثة وسيادتها الكاملة.

وأكد نصراوين أن الإطار التشريعي الأردني لم يغفل عن تحصين هذه المؤسسات من أي إساءة محتملة، إذ نصّت المادة 187 من قانون العقوبات على تغليظ العقوبة بحق كل من يتهجم لفظيًا أو سلوكيًا على أحد منتسبي الأجهزة الأمنية أثناء تأدية واجبه، بعقوبة لا تقل عن سنة حبسًا، وهو ما يعكس مبدأ "التناسب الرادع" في حماية الوظائف السيادية.

كما يشكّل قانون العقوبات العسكري، وفقًا لنصراوين، رافعة إضافية لهذه الحماية، حيث تنص المادة 59 على تجريم كل من يسيء إلى كرامة أو سمعة القوات المسلحة، بعقوبات تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات، بما يرسّخ مبدأ الحصانة الرمزية والوظيفية لهذه المؤسسة، ويمنع المساس بجوهر رسالتها.

وفي ظل تصاعد التهديدات الإلكترونية والافتراضية، أشار نصراوين إلى أن المشرّع لم يتوانَ عن التوسّع في حماية هذه الأجهزة ضمن الفضاء الرقمي، إذ إن المادة 17 من قانون الجرائم الإلكترونية تنص على معاقبة كل من يستخدم وسائل التواصل أو المواقع الإلكترونية لنشر الفتنة أو التحريض على الكراهية أو استهداف الأمن المجتمعي، بالحبس حتى ثلاث سنوات وغرامة قد تصل إلى عشرين ألف دينار، أو بكلتا العقوبتين، بما يعكس استجابة تشريعية مرنة وسريعة للتحولات الرقمية في تهديد الأمن العام.

واختتم الدكتور نصراوين حديثه بتأكيده أن هذه الحماية القانونية المتقدمة لا تُشكّل قيدًا على الحريات، وإنما تُمثّل توازنًا دقيقًا بين ضمان حرية الرأي والتعبير من جهة، وصون هيبة الدولة وسيادة القانون من جهة أخرى، بما يجعل من المنظومة الأردنية نموذجًا متقدمًا في احترام المؤسسات السيادية، دون المساس بجوهر الحقوق الدستورية للمواطن.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية