هل ينجح الأردن في إعادة تعريف نفسه وسط ركام الشرق الأوسط؟

{title}
أخبار الأردن -

قال المحلل السياسيّ الدكتور رامي العياصرة إن الأردن يجد نفسه في قلب عاصفة استراتيجية غير مسبوقة، يتشابك فيها الخارج المتحوّل مع الداخل المُنهك، وتتصاعد فيها مؤشرات التهديد على نحو يفرض مقاربة شاملة لإعادة تموضع الدولة، سياسيًا واقتصاديًا، على ضوء متغيرات تتقاطع مع تصدّعات داخلية تستوجب المعالجة الجذرية لا التسكين المؤقت.

وأوضح العياصرة في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ما يُمكن تسميته بـ"السيولة الجيوسياسية"، وهي حالة الانفلات في موازين القوى والنُظُم الضابطة للعلاقات الدولية والإقليمية، باتت تُطوّق المجال الحيوي الأردني من مختلف الجهات، فإسرائيل، وقد راكمت فائضًا في الشعور بالقوة نتيجة الدعم الأميركي غير المشروط، تمضي في سلوك توسعي توحشي، يتجلّى في تعميق العدوان على قطاع غزة، والتمسك بالوجود العسكري في جنوب لبنان، والتوغّل في الأراضي السورية سواء بالقصف أو بمحاولات تفكيك البنية المجتمعية هناك، وكل ذلك تحت مظلة خطاب إسرائيلي يتبنى فرض الشروط بالقوة، لا بالتفاوض.

ونوّه العياصرة إلى أن هذا الفائض الإسرائيلي يتجلى في إعادة صياغة الأجندة الإقليمية، وتحديدًا عبر مساعي التهجير القسري للفلسطينيين، التي تمثّل، من الناحية الاستراتيجية، تهديدًا وجوديًا للأردن، ذلك أن أيّ محاولة لتفريغ الأراضي الفلسطينية من أهلها، إنما تعني بشكل مباشر تفجير البنية السكانية والديموغرافية في الأردن، ونسف التوازن الداخلي فيه، بما يجعل من الدولة الأردنية رهينة لتداعيات إقليمية لا علاقة لها بخياراتها، بل بنتائج مشاريع الآخرين.

وبيّن أن الأردن ومصر - وبدرجة أقل بعض الأطراف العربية - من تقفان في مواجهة مشروع التهجير، في وقت يبدو فيه الخطاب العربي الرسمي مشلولًا، أو في الحد الأدنى، غير متماسك في رفضه الجذري لهذه المؤامرة، مضيفًا أن هذه المفارقة تُحمّل الأردن مسؤولية مضاعفة، في الصدارة، وفي إنتاج خطاب إقليمي جديد يعيد تفعيل الموقف العربي المجمّد.

وذكر العياصرة أنه تلوح في الأفق احتمالية انفجار مواجهة إقليمية أكبر، خاصة إذا ما نجح نتنياهو في تأليب الإدارة الأميركية – وتحديدًا في ظل عودة ترامب – على خيار توجيه ضربة عسكرية لإيران، مشيرًا إلى أن مثل هذا السيناريو سيُنتج لحظة انفجار إقليمي شاملة، قد تطال الأردن ليس باعتباره طرفًا مباشرًا، وإنما باعتباره ساحة محاذية تستضيف قواعد أجنبية، وقد يجد نفسه ضمن مدى الرد الإيراني في حال اندلعت الحرب، الأمر الذي سيضع المملكة أمام تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية هائلة، يصعب التكهن بكامل ارتداداتها.

ولفت الانتباه إلى أنه لا يمكن قراءة هذه المعادلة الخارجية دون ربطها بالسياق الداخلي الأردني، والذي يشهد منذ سنوات تصاعدًا في الضغوط الاقتصادية، وتراجعًا في حجم الدعم الأميركي، في مقابل محاولات تعويض هذا الفقد عبر بوابات أوروبية وخليجية، إلا أن جوهر التحدي لا يكمن فقط في وفرة الموارد أو شحّها، بقدر ما يتعلق بالقدرة على صياغة مشروع وطني متكامل، يُعبّئ الشارع الأردني خلف سردية وطنية جامعة، تُطمئن الداخل، وتُحدّد أولويات الخارج، وتُعيد تعريف دور الأردن في الإقليم كفاعل لا كضحية.

وأكد ضرورة إعادة تمتين الجبهة الداخلية، عبر اتخاذ إجراءات اقتصادية عاجلة، وإعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وخلق فضاء سياسي مفتوح يُفسح المجال للأحزاب الوطنية الحقيقية، لا الهامشية منها، لتلعب دورها الكامل في التعبئة والتأطير والتأثير، فلا يمكن مواجهة المشاريع الإقليمية التوسعية بخطاب رسمي وحيد، إذ لا بد من إنتاج خطاب وطني تعددي، متماسك، ذي جذر اجتماعي وثقافي حقيقي، يستطيع اختراق الشارع والتأثير فيه.

ومن جهة أخرى، فإن ضعف أو غياب هذا الخطاب الوطني البديل، أدى إلى عدم الثقة بين الشعبي والرسمي، في ظل فراغ سياسي قاتل تركته الأحزاب التقليدية التي فشلت في استيعاب التحولات وفهم نبض الشارع، ومن هنا، فإن تعميق الحوار الوطني، وتفعيل أدوات المشاركة السياسية الحقيقية، ضرورة وجودية في لحظة مفصلية كهذه، وفقًا لما صرّح به العياصرة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

واستطرد قائلًا إن خلاص الأردن وقدرته على الاستمرار كدولة مستقلة مستقرة، بات مشروطًا بإعادة الاعتبار لفكرة الاعتماد على الذات، وتثبيت معادلة الأمن الداخلي على أسس الصدقية والشفافية والمصارحة، فالأردن، وقد بات في قلب الإعصار، لا يملك ترف الانتظار أو الاتكال، فهو مدعو اليوم إلى قراءة المشهد بعيون استراتيجية، وينطلق نحو المستقبل بسردية جديدة، تُعيد إنتاج الدولة من الداخل، وتُحصّنها في وجه موجات الانفجار من الخارج.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية