وزير أسبق يتحدث عن تلبية الجهاد نصرة لغزة
قال الوزير الأسبق الدكتور بسام العموش إن مشاهد الدمار، والقتل، والتهجير في غزة تفرض نفسها على الوجدان العربي، فيتأجج الغضب وتشتد المشاعر، وتعلو الأصوات مطالبة بالفعل لا بالقول، وبالتحرك لا بالتنديد.
لكن، وسط هذا الزخم العاطفي المشروع، يبرز سؤال جوهري: ماذا يمكن أن نفعل واقعًا؟ وهل كل ما نرغب به قابل للتنفيذ؟ وهل يكفي أن نقول إن الجهاد فرض عين دون أن نسأل عن شروطه، ومتى يمكن تطبيقه؟، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأوضح العموش أن الدعوة للجهاد فقهيًا، تأتي حينما تُستباح الأرض والعرض، فيصبح الدفاع واجبًا فرديًا، لكنّ الشريعة لم تكن يومًا دعوة للاندفاع غير المحسوب، فهي تربط الفرض بالقدرة، وتربط الواجب بالإمكان.
ونوّه إلى أن الخطاب الذي يطالب بـ"فتح الحدود" أو "قطع العلاقات" أو "الزحف الشعبي"، رغم نُبل مقاصده، يحتاج إلى آليات عقلانية وتنفيذية، وإلا فإننا ننتقل من دائرة النصرة إلى دائرة التهويم، ومن فقه المقاومة إلى فقه التنفيس.
وأشار إلى أن هناك من يدعو إلى إعادة الخدمة العسكرية، وآخرون يطالبون بإلغاء الاتفاقيات وطرد السفراء وقطع العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها، متسائلًا ما إذا كان من الحكمة – في ظل واقع دولي معقد ودولة ذات موارد محدودة كالتي نعيش فيها – أن تتخذ قرارات بهذا المستوى من الحدة دون حسابات دقيقة لتبعاتها؟، وهل الانفعال يغني عن قراءة موازين القوى، وعن معرفة ما هو ممكن وما هو مدمر؟.
ولفت العموش الانتباه إلى أن البعض وجّه سهام النقد إلى الجيوش، ومنها الجيش الأردني، في نغمة توحي بالإنكار أو النسيان، والحق أن هذا الجيش، بتاريخ مشاركاته في فلسطين في 1948، ومعركة الكرامة في 1968، وغيرها من المحطات، قد قدّم تضحيات لا يجوز تجاوزها، ذلك أن الشهداء الذين رووا أرض فلسطين من أبناء هذا الجيش، أمثال فراس العجلوني وموفق بدر السلطي، هم جزء من ذاكرة المقاومة.
واستطرد قائلًا إن هذا النوع من الخطاب الانفعالي الذي يهاجم المؤسسات ويشكك بالرموز ويتهم الجميع بالتقصير، لا يخدم فلسطين، بقدر ما يفتح أبوابًا للفوضى التي يترصدها المتربصون، والسؤال هنا: هل انهيار الأردن سيكون نصرًا لغزة؟ وهل زعزعة أمن هذا البلد الضعيف – المحاصر بالضغوط – ستمنح الفلسطينيين أي مكسب حقيقي؟.
وأشار إلى أن الأردن، رغم كل الضغوط، لم يقف مكتوف اليدين، فمن دعم ميداني طبي وإغاثي، إلى مواقف دبلوماسية رافضة للتهجير، إلى رفض استقبال الغزيين كلاجئين رغم الإلحاح الدولي، قدّم ما يمكن تقديمه دون أن يغامر باستقرار الداخل، بل إن بعض قراراته في القمم والمحافل الدولية كانت الأكثر وضوحًا مقارنة بصمت عربي ثقيل.
ولأن الأردن ليس دولة عظمى، ولا يعيش في عزلة عن التأثيرات الدولية، فإن قراراته يجب أن تُفهم ضمن توازن دقيق بين الموقف والمصلحة، بين المبادئ والإمكانات، ومن لم يدرك ذلك، فليتصور السيناريو البديل: هل يقبل أن يصبح الأردن ساحة فوضى؟... وهل يريد أن تتكرّر سيناريوهات العراق وسوريا واليمن هنا؟، وفقًا لما صرّح به العموش.
وأكد أهمية عدم الانجرار إلى انفعالات تؤذي ولا تُجدي، وأن نميز بين الشعار وبين الاستراتيجية، وبين الصوت العالي وبين الفعل المؤثر، فدعم غزة لا يكون فقط بالسلاح، وإنما بالكلمة الواعية، والموقف السياسي المدروس، والدعم المالي والإعلامي، وما يقدّمه الأردن في هذا الإطار – في ظل التآكل العربي العام – يستحق الإنصاف لا التهوين.
ونبّه العموش أولئك الذين يتمنون الفوضى في هذا البلد، قائلًا إنهم ذاتهم الذين ينتظرون سقوطه ليمتد المشروع الصهيوني إلى الضفة الشرقية، ولكن، ما دام هذا البلد متماسكًا، وما دامت مؤسساته قائمة، فإن صوت غزة سيبقى مسموعًا، وشريان الدعم سيبقى متصلًا، ولو من وراء الحدود.
وتابع أن الاختلاف في الرأي مشروع، والمطالبة بالمزيد من الحزم حق، إلا أن الانزلاق إلى خطاب التخوين والتكسير، واستهداف الجيش والأجهزة، هو خدمة مجانية لأعداء الداخل والخارج، والمطلوب اليوم أن نحافظ على صلابة الداخل، لأن قوة الداخل هي قاعدة الفعل الخارجي.

