وعي المواطن على محك ما لم نفعل التالي

قال مدير مركز شرفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب، الدكتور سعود الشرفات، إن ثمّة اختلال ممتدّ في الشخصية العربية المعاصرة، يشكل اضطرابًا سلوكيًا عرضيًا، يتجاوز عمق التكوين النفسي والاجتماعي للإنسان العربي، حيث تتشابك أنماط التفكير والسلوك ضمن منظومة معقدة من التناقضات التي تعيد إنتاج ذاتها بشكل دوري، ما يجعل من مراجعتها أمرًا عسيرًا، بل ومستعصيًا في كثير من الأحيان.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "اخبار الأردن" الإلكترونية أنه لا يُمكن النظر إلى هذا الاختلال باعتباره ناتجًا عن ظرف مرحليّ طارئ فقط، فهو حصيلة تراكمات ممتدة، ساهمت في بلورتها أنماطُ الحكم الاستبداديّ، والاقتصاد الريعيّ، والبُنى الثقافية التقليدية التي تعيد إنتاج مفاهيم الطاعة والانقياد، دون إفساح المجال لمساحات نقدية حقيقية.
وبيّن الشرفات أن هناك فجوة مُتجذرة بين السلطة والمجتمع، ينظر إليها على أنها حالة دائمة قائمة على التوجس وانعدام الثقة المتبادل، حيث تقوم السلطة على إدامة السيطرة من خلال مزيج من القمع والإغراء، بينما يعتمد المجتمع على استراتيجيات المراوغة والتكيف السلبيّ لضمان البقاء، لينعكس هذا التناقض في صورة نفاق سياسي ممنهج، حيث تُرفع شعارات الديمقراطية والعدالة، في الوقت الذي يُمارَس فيه القمع والإقصاء تحت ذرائع مختلفة، ما يجعل المجال السياسي بيئة خصبة لإعادة إنتاج الأزمات لا لحلّها.
أما على المستوى الاجتماعي، أشار إلى أن التناقض يتجلى في انفصام حاد بين المنظومة القيمية والسلوك العملي، فبينما يتغنّى الفرد بالقيم الأخلاقية، سرعان ما يتجرد منها في اختباراته اليومية، إذ نجد الأكاديمي الذي يُنظّر حول النزاهة الفكرية لكنه يكرّس ثقافة التلقين والتبعية، ورجل الدين الذي يملأ خطبه بمواعظ الزهد والتقوى، لكنه لا يتورع عن توظيف الدين لخدمة مصالحه الشخصية، والسياسي الذي يرفع شعارات التحرر والمقاومة، لكنه في الوقت ذاته يتحالف مع قوى الهيمنة حين يقتضي الأمر ذلك.
ونوّه الشرفات إلى أن هذه الازدواجية المتأصلة تعد جزءًا من منظومة واسعة من "التحايل المعرفيّ"، حيث يُنتج المجتمع خطابًا يبرر به تناقضاته، مما يُبقيه عالقًا في حلقة مُفرغة من الادعاء والانفصال عن الواقع، موضحًا أن الخطورة هنا تكمن في تكريسها كحتمية تاريخية لا سبيل إلى تجاوزها، ما يعني إعادة إنتاجها عبر الأجيال، وتأبيد حالة العجز الجمعيّ عن كسر هذا النمط المأزوم.
واستطرد الشرفات قائلًا إن الخروج من هذه الدوامة لا يمكن أن يتم إلا من خلال مراجعة جذرية، تذهب إلى تفكيك البُنى الثقافية والسياسية التي ساهمت في صياغة هذا الواقع، واستحداث آليات نقدية تُمكّن الإنسان العربي من امتلاك وعي تاريخي جديد، يقطع مع إرث الازدواجية والتناقض، ويؤسس لمرحلة يكون فيها الفكر والممارسة في حالة انسجام، لا حالة افتراق متواصل.