ملامح النظام العالمي تتغير... أين موقع الأردن منها؟

{title}
أخبار الأردن -

قال خبير الطاقة هاشم عقل إن الاتصال الذي جرى بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب يؤشر إلى تحولات جوهرية في بنية النظام الدولي، حيث تتشكل ملامح نظام عالمي جديد يقوم على إعادة توزيع النفوذ وفق معادلات غير تقليدية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا التغير لا يعكس مجرد تفاهمات ظرفية أو تنسيق مرحلي، فهو يندرج ضمن سياق أوسع يسعى إلى ترسيخ مراكز قوى بديلة تُعيد صياغة المشهد الجيوسياسي العالمي بعيدًا عن الأنماط التقليدية التي سادت خلال العقود الماضية.

وبيّن عقل أن العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة لطالما شكّلت محورًا للتفاعلات الدولية، سواء من خلال الصراع المباشر كما في حقبة الحرب الباردة، أو عبر التنافس غير المباشر في ساحات النفوذ المختلفة، إلا أن هذا الاتصال يعكس توجّهًا نحو مرحلة جديدة من إعادة التوازن الدولي، حيث تبدو موسكو وواشنطن في طور بناء تفاهم استراتيجي يمهد لهيمنة ثنائية تتقاسم النفوذ العالمي، عبر التفاهمات الاستراتيجية التي تعيد توزيع الأدوار الإقليمية والدولية وفق مصالح الطرفين.

ونوّه إلى أن النظام العالمي لم يعد رهين القطبين الأمريكي والروسي فقط، فالصين والهند تمثلان قوتين اقتصاديتين وعسكريتين تتعاظم أهميتهما في المشهد الدولي، مضيفًا أن انخراط بكين ونيودلهي في هذا التشكيل الجديد ما هو إلا انعكاس طبيعي لموازين القوى الجديدة التي فرضتها تحولات الاقتصاد العالمي، وصعود آسيا كمركز ثقل حاسم في معادلة النفوذ الدولي.

وأشار عقل إلى أن بكين، بقوتها الاقتصادية الضخمة، ونيودلهي، بقدراتها الديموغرافية والتكنولوجية المتسارعة، تدخلان في هذا النظام بوصفهما قوتين قادرتين على فرض معادلات جديدة، سواء في المجال الاقتصادي أو الجيوسياسي.

ولفت الانتباه إلى أن الاتصال بين بوتين وترامب يُظهر بوضوح أن أوروبا لم تعد محورًا مركزيًا في الحسابات الاستراتيجية للقوى العظمى، ذلك أنها تتجه تدريجيًا نحو الهامشية في ظل التغيرات المتسارعة، فالولايات المتحدة، التي كانت تقود التحالف الغربي التقليدي، ترى في أوروبا شريكًا ثانويًا يمكن الاستغناء عنه لصالح تحالفات أكثر نفعًا مع قوى صاعدة ذات ثقل اقتصادي وعسكري حقيقي.

وفي المقابل، تستعيد موسكو نفوذها في الفضاء الجيوسياسي الذي خسرته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إذ تتجه أوكرانيا إلى العودة إلى الفلك الروسي، نتيجة لانهيار المظلة الغربية التي كانت تعوّل عليها كييف في مواجهة موسكو، وفقًا لما صرّح به عقل لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

واستطرد قائلًا إن بعض دول أوروبا الشرقية، التي لطالما شكلت منطقة تنافس بين موسكو والغرب، تتجه إلى تعزيز روابطها مع روسيا في ظل تصاعد الشكوك حول قدرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على توفير الحماية الأمنية والاقتصادية لها.

وتابع عقل أنه في ظل إعادة ترتيب النظام العالمي، تعزز الولايات المتحدة نفوذها في محيطها الجغرافي المباشر، حيث تصبح كندا وغرينلاند ضمن نطاق الهيمنة الأمريكية المباشرة.

وقال إن كندا، التي لطالما كانت حليفًا وثيقًا لواشنطن، تدخل الآن في مرحلة جديدة من التبعية الاستراتيجية، حيث تغدو سيادتها خاضعة لإملاءات السياسة الأمريكية بشكل أعمق من أي وقت مضى، أما غرينلاند، التي تمثل موقعًا جيوسياسيًا مهمًا في قلب القطب الشمالي، فتتحول إلى قاعدة نفوذ أمريكية متقدمة، تُستخدم لتعزيز التواجد العسكري الأمريكي في مواجهة روسيا والصين في منطقة القطب الشمالي التي تتزايد أهميتها الاستراتيجية مع تصاعد المنافسة على الموارد والطاقة هناك.


التراجع الأوروبي يأتي لعجز القارة الأوروبية عن لعب دور فاعل في المعادلة الدولية، فقد أدى تراجع القدرة الاقتصادية الأوروبية، وتصاعد الأزمات الداخلية، وتضاؤل النفوذ العسكري إلى إضعاف تأثير أوروبا على الساحة الدولية، وهذا الانحدار نتيجة طبيعية لتغير موازين القوى التي باتت تميل لصالح القوى الصاعدة، في حين تراجع الاتحاد الأوروبي إلى دور المتفرج على عملية إعادة تشكيل النظام الدولي دون أن يكون له تأثير حقيقي في مسار الأحداث.

يُظهر الاتصال بين بوتين وترامب أن العالم يدخل مرحلة جديدة من إعادة التشكيل الاستراتيجي، حيث تتراجع الأقطاب التقليدية لمصلحة قوى جديدة تعيد رسم خارطة النفوذ الدولي، ولم يعد النظام العالمي محكومًا بثنائية غربية - شرقية على غرار الحرب الباردة، فقد بات يقوم على تحالفات مرنة تتجاوز الانقسامات الأيديولوجية القديمة.

في هذا السياق، تبدو الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند القوى الحاسمة في تحديد مستقبل النظام الدولي، في حين تتراجع أوروبا إلى الهامش، متقبلةً واقعًا جديدًا لم تعد فيه مركز القوة كما كانت لعقود.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير