حتى نفهم لماذا لا يتم التخلي عن إسرائيل

قال الأستاذ المشارك، الباحث المتخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية الدكتور علي النظامي إن هناك التزامًا تاريخيًا بدعم المشروع الصهيوني، إذ لا يمكن فهم الارتباط الوثيق بين المشروع الصهيوني والدول الكبرى بعيدًا عن السياقات التاريخية العميقة التي أسست لهذا الالتزام.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن دعم إسرائيل يعد التزامًا أُدرج في صلب المعادلات الجيوسياسية العالمية، ورُسّخ عبر منظومات قانونية ودبلوماسية وعسكرية معقدة، جعلت من هذا الدعم جزءًا أصيلًا من هندسة التوازنات الدولية في الشرق الأوسط.
وبيّن النظامي أن المتتبع لمسار المشروع الصهيوني يلحظ أن تأمين استمراريته كان، ولا يزال، ضرورة ملحّة للدول الكبرى، ليس فقط لضمان تفوّق إسرائيل النوعي في محيطها الإقليمي، وإنما أيضًا للحفاظ على معادلات الهيمنة وإدارة مراكز النفوذ، فالدعم الممنوح لهذا المشروع يتجاوز كونه مجرّد تعاطف سياسي أو تحالف براغماتي، إلى كونه التزامًا مؤسسيًا متجذرًا في الاتفاقيات الدولية، ومحمولًا على شبكات مصالح ممتدة، تشمل الأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، وتخضع لاعتبارات استراتيجية تتجاوز التقلبات الظرفية.
وذكر أن من أكبر الأوهام السياسية الاعتقاد بأن الدول الكبرى قد تتخلى يومًا عن دعم هذا المشروع، أو تسمح بتفكيك مرتكزاته، لأن ذلك يُناقض الأسس التي بُنيت عليها تلك الالتزامات منذ بدايات القرن العشرين، فمنذ اتفاقيات ما بعد الحرب العالمية الأولى، التي أعادت ترسيم الجغرافيا السياسية في المنطقة، وحتى الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية المعاصرة، ظل هذا الدعم محكومًا بمنطق استراتيجي لا يقبل المساس به، حيث أُدرج ضمن منظومات أمنية واقتصادية تضمن لإسرائيل تفوقًا مستدامًا، وتحول دون حدوث أي تغيير جوهري قد يُهدد هيمنتها الإقليمية.
وعلى هذا الأساس، لم يقتصر التمكين لهذا المشروع على الدعم العسكري والدبلوماسي فقط، وإنما امتد ليشمل توجيه السياسات الداخلية في العديد من الدول الحليفة، بحيث تصبح الأدوات السياسية والتشريعية والثقافية ضمن إطار يخدم المشروع الصهيوني بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد انعكس ذلك بوضوح في تكريس سياسات موالية لإسرائيل داخل البرلمانات، وصياغة خطاب إعلامي وثقافي يعيد تشكيل الوعي الجمعي وفقًا لمقتضيات تلك الشراكة الاستراتيجية.، وفقًا لما صرّح به النظامي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ولفت الانتباه إلى أن مقاربة هذا الالتزام التاريخي تقتضي إدراك أن أي محاولة للخروج عنه تُواجه بتحديات بنيوية معقدة، حيث تحكمه شبكات من المصالح والاتفاقيات والتفاهمات التي تجعل من دعمه ضرورة لا تخضع للمساومة أو لإعادة التقييم وفقًا لمتغيرات السياسة الدولية، بل على العكس، كلما ازدادت التحديات التي تواجه المشروع الصهيوني، كلما تعززت مستويات الدعم المقدم له، بصفته جزءًا من منظومة الهيمنة التي صُممت بعناية لتضمن بقاء إسرائيل كقوة إقليمية لا يُسمح بمنافستها أو تقويض دورها الاستراتيجي.
واستطرد النظامي قائلًا إن دعم المشروع الصهيوني يعد التزامًا متجذرًا في البنية العميقة للعلاقات الدولية، تُعاد صياغته باستمرار وفقًا لمعطيات التوازنات الإقليمية والدولية، لكنه يظل محكومًا بمحددات صارمة لا تقبل التراجع أو التفكك، وهذا ما يجعل الحديث عن إمكانية تخلّي القوى الكبرى عن دعم إسرائيل مجرّد طرح نظري يفتقر إلى الواقعية، طالما أن هذه القوى تُدرك أن استمرارية المشروع الصهيوني ليست مجرد ضرورة لحماية إسرائيل، بل هي ركن أساسي في الحفاظ على مصالحها الجيوسياسية في المنطقة.