لدوائر القرار... أرقام مفزعة تظهر أسباب تراجع الأردن في مؤشر السعادة

{title}
أخبار الأردن -

الأردن من أكثر الدول التي شهدت انحدارًا ملحوظًا في معدلات السعادة خلال العقد الأخير

إجمالي الدين العام 44.5 مليار دينار، يضاف إليها 10 مليارات دينار منها مستحقة لمؤسسة الضمان الاجتماعي

إجمالي مديونية الأفراد لدى البنوك 13.3 مليار دينار، بينهم 21% من الإناث

35% من الأردنيين يعيشون تحت خط الفقر، أي ما يعادل 4 ملايين مواطن، وهي نسبة صادمة بكل المقاييس

39% من الشباب بين 25 و29 عامًا لم يسبق لهم الحصول على وظيفة

45% من حملة الشهادات الجامعية يعانون من البطالة

83.7% من النساء الحاصلات على البكالوريوس فأعلى غير قادرات على دخول سوق العمل

48% من الشباب الأردنيين يرغبون بالهجرة، و39% من الإناث الأردنيات أيضًا يرغبن في مغادرة البلاد،

26% أكدوا استعدادهم للهجرة حتى لو لم تكن لديهم أوراق ثبوتية

قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي إن الأردن يشهد تراجعًا متواصلًا في تصنيفه ضمن مؤشر السعادة العالمي، وهو تراجع لا يمكن قراءته بمعزل عن السياقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي باتت ترخي بظلالها الثقيلة على الواقع المعيشي للمواطنين.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه منذ عام 2017، حين احتل الأردن المرتبة 74 عالميًا، بدأت سلسلة من التراجعات المتتالية، إذ حلّ في المرتبة 90 في عام 2018، و101 في 2019، و119 في 2020، و125 في 2024، وصولًا إلى المرتبة 128 في 2025 من أصل 145 دولة، وهو ما يجعله واحدًا من أكثر الدول التي شهدت انحدارًا ملحوظًا في معدلات السعادة خلال العقد الأخير.

وبيّن الخزاعي أن التراجع لم يقتصر على التصنيف العالمي، فهو انعكس أيضًا على مستوى التصنيف العربي، حيث حلّ الأردن في المرتبة 14 من بين 18 دولة، متخلفًا عن دول تشاركه في الظروف الاقتصادية ذاتها، الأمر الذي يستوجب تحليلًا معمّقًا للعلل البنيوية التي أنتجت هذا التقهقر، واستقراءً دقيقًا للانعكاسات التي قد تترتب عليه مستقبليًا.

وأشار إلى أن البحث حول العوامل التي أدت إلى هذا التدني المستمر، يضعنا أمام مجموعة من الأزمات المتداخلة والمتشابكة التي أنتجت بيئة اقتصادية واجتماعية طاردة، لم تعد محفزة على الاستقرار، وباتت تدفع الأفراد دفعًا نحو خيارات بديلة، حتى لو كان ذلك يعني مغادرة البلاد نهائيًا.

المديونية العامة واتساع الهوة المالية

ولفت الخزاعي الانتباه إلى أن النظر للمؤشرات الاقتصادية الكبرى، يضعنا أمام مسألة المديونية العامة، التي وصلت إلى مستويات حرجة، حيث بلغ إجمالي الدين العام 44.5 مليار دينار، ما يعادل 117% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني أن الأردن دخل فعليًا في مرحلة المديونية المفرطة التي تتجاوز الحدود الآمنة ماليًا، ما يضعف قدرة الدولة على التحرك بحرية لتنفيذ برامج إصلاحية جادة، مضيفًا ان الأخطر من ذلك هو ما يضاف إلى المديونية من 10 مليارات دينار مستحقة لمؤسسة الضمان الاجتماعي، وهو مؤشر بالغ الخطورة، إذ يعكس مدى استنزاف الحكومة للمؤسسات الوطنية في محاولاتها لتغطية العجز المالي، وهو ما قد تكون له تبعات كارثية على الأمان الاجتماعي مستقبلًا.

وعلى الرغم من الإجراءات الحكومية التي تسعى إلى السيطرة على المديونية، إلا أن سياسات التقشف المتبعة لا تفعل سوى زيادة الضغوط المعيشية على المواطنين، في ظل غياب استراتيجيات اقتصادية تضمن تحريك عجلة الإنتاج، وخلق فرص عمل مستدامة، وتحقيق نمو اقتصادي ينعكس إيجابيًا على مستوى دخل الأفراد، وفقًا لما صرّح به الخزاعي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

مديونية الأفراد والاختناق المالي الاجتماعي

واستطرد قائلًا إن الانهيار المالي لا يقتصر على الحكومة، فهو يمتد ليطال الأفراد الذين باتوا غارقين في دوامة من القروض البنكية والاستهلاكية، حيث بلغ إجمالي مديونية الأفراد لدى البنوك 13.3 مليار دينار، وهو رقم يعكس بوضوح مدى هشاشة الوضع الاقتصادي، إذ إن عدد المقترضين يقترب من مليون مواطن، بينهم 21% من الإناث، في مؤشر على أن القروض لم تعد وسيلة لتطوير المشاريع أو تحسين مستوى المعيشة، ذلك أنها أصبحت ملاذًا أخيرًا لتغطية الاحتياجات الأساسية، وهذا الواقع أدى إلى ارتفاع معدلات التعثر المالي، وتزايد حالات الإفلاس الفردي، ما زاد من الضغط النفسي والاجتماعي على الأسر الأردنية، وساهم في تآكل الطبقة الوسطى، التي كانت تشكل تاريخيًا العمود الفقري للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

تزايد معدلات الفقر والتآكل المستمر للقدرة الشرائية

وأشار إلى أنه لا يمكن الحديث عن مؤشر السعادة دون التطرق إلى مسألة الفقر المتفاقم، الذي بات يطوّق المجتمع الأردني من كل الجهات، فوفقًا للبنك الدولي، فإن 35% من الأردنيين يعيشون تحت خط الفقر، أي ما يعادل 4 ملايين مواطن، وهي نسبة صادمة بكل المقاييس، خصوصًا في ظل انعدام أي بوادر لتحسن الظروف الاقتصادية، ما يعمّق المأساة أن الحكومة لم تنفِ هذه الأرقام، لكنها لم تقدم كذلك بيانات وطنية دقيقة حول مستويات الفقر، ما يطرح تساؤلات حول مدى إدراك صانعي القرار لحجم المشكلة التي تواجه البلاد.

أما على مستوى الدخل، فإن الأوضاع لا تقل كارثية، إذ تشير الإحصائيات إلى أن 28% من الأردنيين يحصلون على رواتب تقل عن 300 دينار شهريًا، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية النفقات الأساسية، سواء للأفراد أو للأسر، في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار السلع والخدمات، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن متوسط تكلفة المعيشة يتجاوز بكثير هذه القيمة، فإن ذلك يعني أن جزءًا كبيرًا من المواطنين يعيشون في حالة عجز اقتصادي دائم، مما يدفعهم إلى البحث عن حلول يائسة، سواء عبر القروض، أو الهجرة، أو حتى الاعتماد على المساعدات الخارجية، وفقًا لما قاله الخزاعي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

البطالة وعجز سوق العمل عن استيعاب الشباب

وقال إن المشهد السوداوي يتفاقم عندما ننتقل إلى معدلات البطالة المرتفعة، التي بلغت 23% بين أرباب الأسر الأردنية، فيما يعاني 45% من حملة الشهادات الجامعية من البطالة، وهو ما يكشف عن أزمة هيكلية عميقة في سوق العمل، حيث لا تتناسب مخرجات التعليم مع احتياجات السوق، ولا توفر السياسات الاقتصادية فرصًا كافية لاستيعاب الكفاءات الشابة، منبهًا إلى أن الأخطر من ذلك هو أن 83.7% من النساء الحاصلات على البكالوريوس فأعلى غير قادرات على دخول سوق العمل، مما يعكس فشلًا في السياسات التنموية التي تستهدف تمكين المرأة اقتصاديًا.

وما يزيد الطين بلّة أن 39% من الشباب بين 25 و29 عامًا لم يسبق لهم الحصول على وظيفة، ما يجعل الأردن أمام قنبلة اجتماعية موقوتة، حيث يواجه هؤلاء الشباب مستقبلاً ضبابيًا، قد يدفعهم نحو خيارات غير محسوبة العواقب، مثل الهجرة غير الشرعية، أو الانخراط في أنشطة اقتصادية غير رسمية، أو حتى اللجوء إلى ممارسات إجرامية ناجمة عن الإحباط واليأس، وفقًا لما ذكره لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

الهجرة كملاذ أخير في ظل غياب البدائل

واستطرد الخزاعي قائلًا إن نتائج استطلاع الباروميتر العربي كشفت أن 48% من الشباب الأردنيين يرغبون بالهجرة، وهو رقم ينذر بالخطر، إذ يعكس فقدانهم للثقة في مستقبل البلاد، وأن الأكثر إثارة للقلق أن 39% من الإناث الأردنيات أيضًا يرغبن في مغادرة البلاد، وهو مؤشر على أن الأزمة لم تعد تقتصر على فئة دون أخرى، بل أصبحت معضلة مجتمعية شاملة، والأسوأ من ذلك أن 26% من المستطلعين أكدوا استعدادهم للهجرة حتى لو لم تكن لديهم أوراق ثبوتية، مما يعني أن البعض أصبح مستعدًا للمخاطرة بحياته في سبيل الخروج من هذه البيئة الطاردة.

إلى أين يتجه الأردن؟

وتابع أن أمام هذا التراجع المستمر، لا يمكن الاكتفاء بمراقبة المشهد دون اتخاذ خطوات جادة لمعالجة الأزمات المتفاقمة، إذ لا بد من إصلاحات جذرية على المستوى الاقتصادي، وتعزيز سياسات تشغيل الشباب، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتحفيز الاستثمار، وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وإلا فإننا سنجد أنفسنا أمام واقع أكثر قتامة، يعصف بالاستقرار الاجتماعي، ويؤدي إلى تصاعد موجات الهجرة والنزوح الاقتصادي، مما سيجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، وقف الانحدار الحاد الذي نشهده اليوم.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير