الحوارات لـ"أخبار الأردن": المنطقة دخلت مرحلة حسم الملفات

{title}
أخبار الأردن -

قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات إن المنطقة تشهد حاليًا تحولًا استراتيجيًا بالغ التعقيد، يتجسد في سلسلة من الإجراءات العسكرية والسياسية المنهجية التي ترمي، في مجملها، إلى إعادة صياغة التوازنات الجيوسياسية وفق رؤية أمريكية - إسرائيلية تتوخى تصفية بؤر المقاومة، وفرض معادلات جديدة قائمة على الإملاء الأحادي، تحت غطاء ما يمكن وصفه بـ"الحسم الملفات".

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه العملية تُنفَّذ على عدة محاور متوازية، ضمن خطة مُحكمة تسعى إلى إحكام السيطرة على مفاصل الصراع، وتفكيك البُنى التحتية لقوى المقاومة، سواء عبر الاستنزاف العسكري، أو من خلال فرض وقائع ديموغرافية وجغرافية جديدة.

المحور الأول: التسويق للممرات الإنسانية الآمنة

وبيّن الحوارات أن معالم المشروع الإسرائيلي في غزة تتجلى من خلال مقاربة مزدوجة، تتداخل فيها الأدوات العسكرية مع تكتيكات الحرب النفسية، والضغط السياسي والاقتصادي، فمن جهة، تسعى إسرائيل إلى تحقيق ما يُعرف بـ"الحسم العسكري المحدود"، عبر تنفيذ عمليات قصف مركزة وعمليات توغل انتقائية تهدف إلى إنهاك قدرات المقاومة واستنزاف مواردها، تمهيدًا لإرغامها على تقديم تنازلات جوهرية في ملف الأسرى، وهو ما يُمثل أولوية قصوى لصناع القرار في تل أبيب، بالنظر إلى تداعيات هذا الملف على المشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي.

وأشار إلى أن البعد الأخطر في هذه الاستراتيجية يكمن في المسار الموازي، الذي يستهدف تغيير البنية الديموغرافية لقطاع غزة، من خلال تكثيف الضغوط الاقتصادية والمعيشية، بالتزامن مع تصعيد العمليات العسكرية، بهدف دفع السكان إلى مغادرة القطاع، كجزء من خطة ترحيل قسرية يتم تسويقها على أنها "ممرات إنسانية"، إذ تشير المعطيات إلى أن إسرائيل قد تلجأ إلى إنشاء ممرات بحرية، عبر موانئ فلسطين المحتلة عام 1948، لإجلاء السكان تحت ذرائع "تخفيف المعاناة"، في حين أن الهدف الحقيقي يتمثل في إعادة رسم الخارطة السكانية، كخطوة أولى نحو تنفيذ استراتيجية أكثر شمولية تمتد إلى الضفة الغربية لاحقًا.

ومما يعزز هذه الفرضية، الدعم الأمريكي اللامحدود الذي يوفر غطاءً دبلوماسيًا لهذه الخطط، في ظل تجاهل متعمد لأي اعتبارات تتعلق بالقانون الدولي أو حقوق الإنسان، فإدارة الرئيس الأمريكي، تعاملت مع السياسات الإسرائيلية كمسألة "أمن قومي أمريكي"، ما منح تل أبيب هامشًا واسعًا لتنفيذ استراتيجياتها دون رادع فعلي، وفقًا لما صرّح به الحوارات لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

المحور الثاني: إغلاق الملفات الجيوسياسية تمهيدًا للانتقال إلى المواجهة مع إيران

على الصعيد الإقليمي، نوّه الحوارات إلى أن هذه التحركات تأتي في سياق أوسع، يهدف إلى تصفية الملفات العالقة التي كانت تمثل عناصر عدم استقرار في المشهد الإقليمي، فبعد تحييد الجبهتين السورية واللبنانية نسبيًا، عبر تكتيكات الاستنزاف وإعادة ترتيب الأوراق الداخلية في هذين البلدين، بات التركيز منصبًا على اليمن، باعتباره آخر المعاقل النشطة التي تشكل امتدادًا استراتيجيًا للنفوذ الإيراني في المنطقة.

وفي هذا السياق، ذكر أن واشنطن تتبنى نهجًا مزدوجًا: فمن جهة، تسعى إلى استنزاف الحوثيين عسكريًا، عبر تكثيف الضربات الجوية والتضييق الاقتصادي، ومن جهة أخرى، توجه رسائل دبلوماسية إلى طهران، تعرض فيها "هدنة مؤقتة" مدتها شهران، في محاولة لانتزاع تنازلات من إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي، تحت تهديد الخيار العسكري، ذلك أن من اللافت أن هذه التحركات تأتي في وقت يتواجد فيه وفد إسرائيلي رفيع المستوى في واشنطن، للتباحث حول سيناريوهات توجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية، في حال فشلت المساعي الدبلوماسية.

المحور الثالث: تفكيك محور المقاومة وإعادة ضبط موازين القوى

ولفت الحوارات الانتباه إلى أن محور المقاومة يواجه اختبارًا وجوديًا، حيث تتراجع بعض أذرعه التقليدية، بينما تجد قوى أخرى نفسها في مواجهة مفتوحة دون حلفاء قادرين على توفير الإسناد اللازم، فمنذ اندلاع الحرب على غزة، تقلصت مصادر الدعم العسكري واللوجستي لحماس، بعد أن كانت تعتمد، في مراحل سابقة، على إمدادات من حزب الله والفصائل السورية، ومع تبدد هذه القنوات، وجدت المقاومة نفسها مضطرة إلى إعادة صياغة تكتيكاتها، وفق معادلات جديدة، قد تفرض عليها تبني نهج أكثر براغماتية، لتفادي سيناريو الاستنزاف المطلق.

أما إيران، فرغم امتلاكها أوراقًا تفاوضية قوية، فإنها تدرك أن التوازنات الإقليمية الحالية لا تصب في مصلحتها بالكامل، خصوصًا مع تصاعد الضغوط الأمريكية، ومحاولات واشنطن تحييد أدواتها العسكرية في المنطقة، غير أن الحسابات الأمريكية قد تصطدم بتعقيدات الواقع اليمني، حيث يتمتع الحوثيون بقاعدة شعبية وإسناد قبلي يُمكّنهم من الاستمرار في المعركة لفترات طويلة، ما قد يُعقّد أي محاولة لفرض "نهاية سريعة" لهذا الملف، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

السيناريوهات المستقبلية

واستطرد الحوارات قائلًا إنه على الرغم من أن معطيات المرحلة الراهنة ترجّح كفة التحالف الأمريكي - الإسرائيلي في فرض وقائع جديدة، إلا أن تجارب المنطقة تؤكد أن الحسم المطلق يظل أمرًا صعب التحقق، نظرًا لتعقيد الصراعات الإقليمية، وتداخل العوامل المحلية والدولية في صياغة المشهد، فلا يمكن إغفال أن قوى المقاومة، رغم التحديات، لا تزال تملك القدرة على إعادة التكيف مع المستجدات، كما أن فشل المشاريع السابقة التي حاولت فرض تسويات قسرية عبر القوة العسكرية، يؤكد أن الرهان على الإنهاء الكامل لأحد أطراف الصراع قد لا يكون بالبساطة التي يتخيلها صناع القرار في واشنطن وتل أبيب.

وتابع أن المنطقة مقبلة على مرحلة إعادة تشكيل واسعة، تفرض على جميع الأطراف إعادة تقييم استراتيجياتها، سواء كان ذلك في معسكر التحالف الأمريكي - الإسرائيلي، أو في أوساط القوى المناوئة لهذا المشروع.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير