هزة قوية تضرب التدفقات الاستثمارية والمعاملات المالية والبيئة الائتمانية

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الخبير الاقتصادي منير ديه إنه مع اقتراب دخول التعديلات الجوهرية على قانون العقوبات وقانون التنفيذ حيز التنفيذ بعد أقل من شهرين، تتزايد المخاوف حيال التداعيات المحتملة لهذه التغييرات، التي تتجلى أبرز ملامحها في إلغاء الحماية الجزائية عن الشيكات المرتجعة بدون رصيد، وإلغاء عقوبة الحبس في جميع القضايا التعاقدية، باستثناء القضايا العمالية والإيجارية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه التعديلات مُنحت مهلة زمنية امتدت لثلاث سنوات، بهدف تمكين المعنيين من تصويب الأوضاع وإيجاد حلول بديلة تضمن حماية الحقوق المالية للأطراف المتعاقدة، مضيفًا أن غياب إجراءات تنفيذية واضحة حتى اللحظة يعكس حالة من الارتباك التشريعي، ويثير تساؤلات حول مدى جاهزية السوق الاقتصادي لمواكبة هذه التحولات القانونية العميقة.

وبيّن ديه أنه لم يعد خافيًا أن إلغاء المادة 421 من قانون العقوبات، التي كانت توفر غطاءً جزائيًا للشيكات المرتجعة، يمثل نقطة تحول محورية في المشهد القانوني والمالي، إذ لم يعد إصدار شيك بدون رصيد يشكّل جريمة تستوجب المساءلة الجزائية، بقدر ما بات التعامل معه مقتصرًا على الإجراءات المدنية، التي يُجمع الخبراء على أنها أقل ردعًا وأضعف تأثيرًا من الناحية التنفيذية، إذ لا يختلف الأمر كثيرًا عند النظر في التعديلات التي طالت قانون التنفيذ المعدل رقم 9 لسنة 2022، والتي أفضت إلى تعديل المادة 22/و، بحيث أُلغيت عقوبة الحبس في كافة العقود التعاقدية، باستثناء القضايا العمالية وقضايا الإيجارات، ما يعني أن الدائن أصبح أمام واقع قانوني جديد لا يتضمن أداة رادعة لضمان وفاء المدين بالتزاماته، وهو ما قد يشكل تهديدًا مباشرًا لبيئة الأعمال والاستثمار.

وأشار إلى أن ما يزيد من حدة هذه المخاوف، أن السوق الأردني يعتمد بشكل أساسي على الشيكات كأداة رئيسية في التعاملات التجارية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن قيمة الشيكات المتداولة سنويًا تصل إلى 40  مليار دينار، وهو ما يعكس دورها المحوري في هيكلة النشاط الاقتصادي، ومع رفع الحماية الجزائية، ستصبح الشركات والمؤسسات أمام سيناريو غير مسبوق، يتمثل في غياب أية ضمانات قانونية كافية تلزم الأطراف بالوفاء بالتزاماتها المالية، مما سيؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة الشيكات المرتجعة، التي تتراوح حاليًا بين 4%  إلى 5%  من إجمالي قيمة الشيكات، أي ما يقارب 2 مليار دينار سنويًا، منها مليار و100 مليون دينار بسبب عدم كفاية الرصيد.


ونوّه ديه إلى أن تداعيات هذه الأزمة لن تقتصر على المستوى الفردي أو المؤسسي، وإنما ستلقي بظلالها على الاقتصاد الكلي، حيث من المتوقع أن يشهد النشاط الاقتصادي تباطؤًا ملحوظًا نتيجة التراجع في حجم التسهيلات الائتمانية، وارتفاع مستوى المخاطرة في التعاملات التجارية، مما سيدفع العديد من الشركات إلى تشديد سياساتها المالية، وهو ما بدأت بعض المؤسسات فعليًا بتطبيقه عبر تقليص الاعتماد على الشيكات، وفرض شروط أكثر صرامة في عمليات البيع الآجل.

وذكر أنه رغم التعهدات الحكومية المتكررة بإيجاد بدائل قانونية تعوّض عن الحماية الجزائية للشيكات، وتعزز من الضمانات المدنية، فإن الواقع يشير إلى أن أيًا من هذه البدائل لم يُطرح حتى اللحظة، ما يعكس غياب رؤية واضحة لكيفية التعامل مع التداعيات المحتملة لهذه التعديلات، وقد كان من المفترض، وفقًا لما أعلنته الجهات التشريعية والتنفيذية عند إقرار هذه القوانين، أن يتم العمل على تطوير آليات تضمن حقوق الدائنين، سواء عبر تعزيز منظومة التنفيذ المدني، أو تفعيل بدائل مثل الضمانات البنكية والوسائل الإلكترونية الموثوقة في التحصيل، أو حتى إنشاء سجل ائتماني يتيح تقييم الملاءة المالية للمقترضين، غير أن جميع هذه الحلول لا تزال غائبة عن التطبيق، مما يضع المستثمرين والتجار أمام تحديات غير مسبوقة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل طبيعة المعاملات التجارية والمالية في البلاد.

وأشار ديه إلى أن الأثر السلبي لهذه التعديلات لا يقتصر على قطاع الشيكات فحسب، ذلك أنه يمتد ليشمل العقود التعاقدية كافة، التي فقدت الحماية الجزائية بموجب هذه التعديلات، حيث لم تعد عقود الاستثمار، أو عقود المرابحة، أو عقود المقاولات، أو غيرها من العقود التجارية، تتمتع بأي شكل من أشكال العقوبات الجزائية في حال إخلال أحد الأطراف بالتزاماته التعاقدية، وهو ما قد يفتح المجال أمام حالات واسعة من التنصل من الالتزامات المالية دون وجود أدوات قانونية رادعة تضمن تنفيذها، ومما يزيد من تعقيد المشهد، أن الحكومة لم تضع أي حلول لتعويض الأفراد والمؤسسات الذين دفعوا رسومًا قضائية في قضايا قائمة أمام المحاكم، والتي ستفقد قيمتها القانونية بمجرد سريان التعديلات الجديدة، مما يعني أن آلاف القضايا، التي تكلفت رسومًا بملايين الدنانير، ستصبح بلا جدوى، ما يطرح تساؤلات قانونية وأخلاقية حول مصير هذه الحقوق المالية.

ولفت الانتباه إلى أن الحاجة تبرز إلى تدخل حكومي عاجل لاتخاذ خطوات استباقية تحول دون انهيار الثقة في أدوات الدفع والائتمان داخل السوق المحلي. وقد يكون أحد الحلول المطروحة في هذه المرحلة هو تأجيل دخول التعديلات حيز التنفيذ، عبر تمديد المهلة الزمنية، ريثما يتم استكمال وضع بدائل قانونية حقيقية يمكن أن تحقق التوازن بين حقوق الدائنين والمدينين، وفي حال تعذّر هذا الخيار، فإن المسار البديل يتمثل في الإسراع بتعديل قانوني العقوبات والتنفيذ مرة أخرى، بما يسمح بإدخال تعديلات تضمن الحد الأدنى من الضمانات القانونية التي تحافظ على استقرار المنظومة المالية والتجارية في البلاد.

واستطرد ديه قائلًا إن استمرار غياب البدائل القانونية مع اقتراب الموعد النهائي لتطبيق التعديلات، من شأنه أن يُحدث هزة قوية في قطاع الأعمال، ويؤدي إلى خلل واضح في آليات التمويل والتجارة، مما قد يُفضي إلى تداعيات اقتصادية أوسع نطاقًا، تشمل تراجع التدفقات الاستثمارية، وزيادة مستوى المخاطرة في المعاملات المالية، وإضعاف البيئة الائتمانية التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني، ومن هنا، فإن الكرة اليوم في ملعب الحكومة والسلطة التشريعية، التي باتت مطالبة باتخاذ خطوات سريعة وحاسمة، إما بتأجيل تنفيذ التعديلات، أو بإجراء تعديلات إضافية تعالج القصور التشريعي، بما يحافظ على الثقة في النظام المالي، ويضمن استمرارية الشيك كأداة دفع موثوقة، تساهم في استقرار المنظومة الاقتصادية، وتعزز مناخ الاستثمار، وتحمي حقوق جميع الأطراف المتعاملة داخل السوق الأردني.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير