رسائل مهمة للمقاومة والقاهرة واليمن... من ينقذ المنطقة؟
قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إنه لا يمكن النظر للقصف الأمريكي الأخير على أنه رد فعل على تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية، بقدر ما هو جزء من معادلة إقليمية أوسع تحمل في طياتها رسائل متعددة، ليس فقط لطهران وحماس، وإنما أيضًا للقاهرة.
رسائل واشنطن للقاهرة: تضييق الخناق الاقتصادي بأدوات متعددة
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن استهداف الحوثيين في البحر الأحمر، يمثل من زاوية أخرى، ضغطًا غير مباشر على مصر من خلال تقليص عائدات قناة السويس، التي تُعَدّ شريانًا اقتصاديًا رئيسيًا، مضيفًا أن هذا الضغط يتزامن مع تقليص المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، والتي تحصل عليها مصر سنويًا بموجب اتفاقية كامب ديفيد.
وبيّن البستنجي أن النهج الإسرائيلي - الأمريكي يأتي كرد فعل على الموقف المصري المتشدد من قضية محور فيلادلفيا، ورفض القاهرة لخطط التهجير القسري من غزة، مضيفًا أن إسرائيل تسعى إلى عزل مصر عن أي دور محتمل في دعم حماس، خاصة بعد أن كانت القاهرة صاحبة مبادرة "اللجنة المجتمعية لحكم غزة"، التي منحت حماس مساحة للمناورة السياسية والبقاء في السلطة.
وذكر أن إسرائيل تواصل - رغم سريان الهدنة - مسلسل القتل اليومي، فهي لم تكتفِ بسياسات التجويع، والإغلاق، ومنع دخول مواد البناء والوقود، إذ إنها لجأت إلى تنفيذ عمليات اغتيال ممنهجة في غزة، تجاوز ضحاياها 150 شهيدًا خلال الهدنة وحدها، مشيرًا إلى أن ذلك يأتي في ظل تهديدات مباشرة من الحكومة الإسرائيلية، التي تُلوّح بتصعيد عسكري جديد إذا لم ترضخ حماس لمطالبها، خاصة فيما يتعلق بملف الأسرى والرهائن.
ولفت البستنجي الانتباه إلى أن التصعيد الإسرائيلي المحتمل، إذا وقع، سيكون مختلفًا هذه المرة، حيث يتم تحت رعاية إدارة أمريكية ذات نهج أكثر حسمًا، فترامب، الذي منح إسرائيل أسلحة تدميرية متطورة تصل قوة القنبلة الواحدة منها إلى 10 أطنان، رسم سقفًا زمنيًا صارمًا لحماس للإفراج عن الرهائن قبل 12 أبريل 2025، وهي مهلة غير قابلة للتفاوض، فيما واشنطن، التي ترى في هذه الحرب اختبارًا حقيقيًا لمدى التزامها بدعم إسرائيل، قد تطلق يد الاحتلال لممارسة "الجنون العسكري" إن لم يتم تحقيق الأهداف المحددة ضمن الإطار الزمني المطلوب.
وذكر أن الهجوم الأمريكي المكثف على الحوثيين يحمل دلالات تتجاوز المعركة البحرية، إذ يشكل تهديدًا مبطنًا لطهران، مفاده أن واشنطن مستعدة للتصعيد إذا مست المصالح الأمريكية، كما أن القصف يمثل رسالة لحماس، مفادها أنها ستكون وحيدة في المواجهة المقبلة، حيث يتم استهداف حلفائها الإقليميين واحدًا تلو الآخر.
قيادة إسرائيلية جديدة وأجندة أكثر دموية
ونبّه البستنجي إلى أن أي تصعيد عسكري جديد، إذا وقع، سيكون بقيادة أكثر تطرفًا، بدءًا بوزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، مرورًا برئيس الأركان إيال زمير، وكلاهما معروفان بتوجهاتهما العدوانية، فالأهداف العسكرية لن تقتصر على التدمير الممنهج للبنية التحتية، وستتصل مباشرة بخطط التهجير القسري، التي يتم الترويج لها أمريكيًا وإسرائيليًا على حد سواء، كما أن أي معركة جديدة قد تُجهض أي مساعٍ لإعادة الإعمار وفق الخطة العربية المطروحة، مما يعيد رسم معادلات ميدانية وسياسية جديدة.
كيف يمكن للمقاومة قلب الطاولة؟
وأشار إلى أنه في ظل هذه المعادلة المعقدة، قد يكون أمام حماس فرصة لتغيير قواعد اللعبة، وذلك عبر تقديم تنازلات تكتيكية في ملف الأسرى، من خلال الإفراج عنهم دفعة واحدة دون انتظار المهلة المحددة، وجعل الشرط الأساسي هو الانتقال الفوري إلى المرحلة الثانية من التفاوض، مستطردًا أن هذا السيناريو قد يسحب البساط من تحت أقدام نتنياهو، ويفقده الغطاء الأمريكي، حيث تركز واشنطن على استعادة الرهائن أكثر من أي شيء آخر، وعندها، سيكون نتنياهو محاصرًا سياسيًا، مما قد يجبره على القبول بوقف إطلاق النار، وبدء ترتيبات إنهاء الحرب، رغم تطلعات القيادة العسكرية الجديدة لتوسيع رقعة الصراع.
وتابع البستنجي أن التحركات العسكرية والدبلوماسية خلال الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار المواجهة القادمة، وإدارة ترامب الجديدة لا تؤمن بالمفاوضات المفتوحة، وقراراتها الحاسمة قد تشعل فتيل مواجهات كبرى إذا لم يتم تحقيق الأهداف الأمريكية خلال الإطار الزمني المحدد، في المقابل، تستطيع المقاومة، إن أحسنت المناورة، قلب المعادلة وفرض مسار سياسي بديل يُحافظ على الحد الأدنى من المكتسبات، لكن الوقت ينفد بسرعة، والرهانات باتت أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.

