تغيرات لافتة في المجتمع الأردني خلال رمضان

{title}
أخبار الأردن -

 

قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور إسماعيل الزيود إن شهر رمضان يُمثّل في الوعي الجمعي فضاءً روحيًا تتعزز فيه قيم التسامح والتراحم، إلا أن المراقب للسلوكيات الاجتماعية خلال هذا الشهر يلحظ تصاعدًا لافتًا في معدلات العنف المجتمعي، سواء من حيث الكم أو النوع.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الظاهرة، التي تبدو متناقضة مع الأجواء الرمضانية المفترضة، لا يمكن تفسيرها تفسيرًا سطحيًا يعتمد على الطرح التقليدي القائل إن "الجوع والعطش يزيدان من حدة التوتر"، وإنما تستدعي قراءة معمّقة تتناول البُنى النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية التي تتفاعل فيما بينها، فتخلق بيئة خصبة لهذا النمط السلوكي التصادمي.

الاضطرابات المزاجية وقود للتوتر السلوكي

وبيّن الزيود أن الصيام يفرض متغيرات فسيولوجية تؤثر بشكل مباشر في المزاج والسلوك، إذ يؤدي الامتناع عن الطعام والشراب لساعات طويلة إلى انخفاض مستويات السكر في الدم، ما يُحدث اضطرابات في كيمياء الدماغ، ويُضعف السيطرة على الانفعالات، ومع أن الصيام يُعدّ في جوهره تمرينًا على ضبط النفس، فإن هذا الجانب لا يتحقق لدى الجميع بالدرجة ذاتها، لا سيما في ظل الضغوط الحياتية المتزايدة، مع ما يُضاف إلى ذلك من اضطراب أنماط النوم لدى الصائمين، وهو عامل آخر يؤدي إلى تراجع القدرة على التحمل وزيادة مستويات التهيج العصبي، ما يجعل الأفراد أكثر عُرضةً للانفعال والتوتر في مواقف يومية قد تكون عابرة في غير هذا الظرف الزماني.

تزايد التفاعل والاحتكاك كعامل محفّز للمواجهات

وذكر أن شهر رمضان يفرز تغيرات في أنماط التفاعل بين الأفراد، إذ يشهد كثافة في التجمعات العائلية، وازدحامًا في الأسواق والمرافق العامة، وارتفاعًا في معدلات الحركة والتنقل، وهو ما يؤدي إلى زيادة فرص الاحتكاك، لا سيما في مجتمعات تعاني من ضغوط اقتصادية وأزمات معيشية متفاقمة، مضيفًا أن هذه الظروف تعزز بيئة الصدامات السريعة، حيث تصبح المشاحنات على أولوية المرور في الطرقات، أو الخلافات حول أماكن الانتظار، أو حتى المشادات في طوابير شراء المواد الأساسية، نقاط اشتعالٍ محتملة لاندلاع السلوكيات العنيفة.

ونبّه الزيود من أن منظومة العلاقات الأسرية تشهد خلال رمضان تحولًا جذريًا في إيقاعها اليومي، حيث تزداد ساعات الاحتكاك بين أفراد الأسرة في ظل ضغوط التحضير للإفطار، وتراكم الأعباء المنزلية، والتوقعات المتضادة حيال الأدوار الاجتماعية لكل فرد، ما يخلق بيئةً مشحونة قد تنفجر في لحظات التوتر، فتتحول إلى عنف لفظي أو جسدي داخل نطاق الأسرة.

الضغوط المالية محفزًا رئيسًا للتوتر الاجتماعي

ولفت الانتباه إلى أنه لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي بوصفه عاملًا مركزيًا في تفسير تنامي العنف المجتمعي خلال رمضان، إذ يُمثل الشهر الفضيل موسمًا استهلاكيًا بامتياز، تُرافقه ارتفاعات حادة في أسعار السلع الأساسية، وتزايد الضغوط المالية على الأسر، خصوصًا في المجتمعات التي تعاني من تدني مستويات الدخل وارتفاع معدلات الفقر، موضحًا أن هذا الواقع يُترجم إلى حالة من الإحباط الجماعي، حيث يجد كثير من الأفراد أنفسهم عاجزين عن تلبية متطلبات أسرهم بالشكل الذي يتناسب مع التوقعات الاجتماعية، ما يولّد إحساسًا بالقهر ينعكس في شكل نوبات غضب وتصعيد سلوكي عدواني تجاه المحيطين بهم.

صناعة الخطاب وتأثيره في تشكيل المزاج العام

وأشار الزيود إلى أن العوامل الثقافية والإعلامية تلعب دورًا في ترسيخ أو الحدّ من ظاهرة العنف خلال رمضان، فبينما يفترض أن يكون الخطاب الديني والإعلامي مُوجّهًا نحو تعزيز قيم التسامح وضبط النفس، نجد أن بعض المنابر الإعلامية تسهم في إذكاء النزعة العدوانية من خلال بث محتوى درامي يُكرّس ثقافة العنف، أو تقديم نماذج سلوكية غير منضبطة تُعيد إنتاج مفهوم "القوة" بوصفها وسيلة لحل الخلافات، كما أن بعض الخطابات الدينية لا تضع في اعتبارها الجوانب النفسية والاجتماعية للفرد الصائم، وإنما تقدّم نصائح وعظية عامة قد لا تكون فاعلة في معالجة السلوكيات الانفعالية المتأججة تحت وطأة الضغوط الحياتية.

واستطرد قائلًا إن معالجة تنامي العنف المجتمعي خلال رمضان تتطلب تبنّي سياسات وقائية تستند إلى فهم عميق للعوامل المحرّكة لهذه الظاهرة، فمن الضروري تطوير برامج توعوية تستهدف مختلف الفئات الاجتماعية، وتعتمد على خطاب متوازن يُعزز الوعي بآليات ضبط النفس، ويربط بين قيم الصيام والانضباط السلوكي في سياقات الحياة اليومية، كما ينبغي العمل على تنظيم آليات السوق للحدّ من التضخم الموسمي في الأسعار، وتعزيز شبكات الدعم الاجتماعي للأسر الأكثر احتياجًا، بما يقلل من الضغوط الاقتصادية التي تمثل أحد المحفزات الرئيسة للعنف.

ونوّه الزيود إلى أن دور المؤسسات الدينية والإعلامية يُعدّ محوريًا في إعادة تشكيل الوعي الجمعي تجاه السلوكيات الرمضانية، إذ يجب أن يكون الخطاب الموجّه للجمهور قائمًا على تفكيك مسببات العنف، وتقديم بدائل إيجابية للتعبير عن التوتر والضغوط، بدلًا من الاكتفاء بالمواعظ الأخلاقية المُجرّدة التي قد لا تكون كافية لإحداث التغيير المطلوب.

وتابع أن فهم تصاعد العنف المجتمعي خلال رمضان لا يمكن أن يقتصر على تفسيرات تبسيطية تُحمّل الصيام ذاته مسؤولية السلوكيات العنيفة، إذ يجب أن يُنظر إليه بوصفه ظاهرة مُركّبة تتداخل فيها العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ما يستوجب مقاربة أكثر شمولية في التعامل معها، ومن هنا، فإن تحقيق الأهداف الروحية لهذا الشهر الفضيل يستدعي تهيئة بيئة مجتمعية تُتيح للأفراد اختبار قيم التسامح والصبر في سياقات أكثر توازنًا، بعيدًا عن الضغوط التي تحوّل هذا الشهر إلى ساحة للتوترات والانفعالات غير المنضبطة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير