الماضي يتحدث لـ"أخبار الأردن" عن أهمية السويداء في هوية سوريا الجديدة
قال أستاذ علم الاجتماع السياسيّ الدكتور بدر الماضي إن محافظة السويداء شكّلت على مدار العقود الماضية موضع رهان استراتيجي للقوى الإقليمية والدولية، بالنظر إلى موقعها الجغرافي الحساس وتركيبتها الديموغرافية الفريدة التي أفرزت ديناميات سياسية واجتماعية معقدة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه وفي خضم التحولات العاصفة التي اجتاحت سوريا خلال السنوات الأخيرة، برزت رهانات متزايدة على إمكانية تحول السويداء إلى خاصرة رخوة ضمن الهيكلية السياسية للدولة السورية الجديدة، وذلك استنادًا إلى افتراضات متشابكة، بعضها يرتبط بمحاولات إعادة هندسة التوازنات الداخلية، والبعض الآخر يعكس مصالح أطراف إقليمية تسعى لإعادة تعريف حدود النفوذ والتأثير في المنطقة.
وبيّن الماضي أن المحاولات الإسرائيلية لاختراق النسيج الاجتماعي والسياسي في السويداء لم تكن مجرد تحركات ظرفية أو تكتيكية، بقدر ما هي استراتيجية تتقاطع مع مساعي تل أبيب لتوسيع نطاق نفوذها داخل البيئة السورية، مستندةً إلى تجاربها السابقة في استمالة الطائفة الدرزية داخل الأراضي المحتلة، مضيفًا أن إسرائيل سعت إلى استغلال التعقيدات السياسية في السويداء عبر قنوات متعددة، سواء من خلال بعض القيادات الروحية التي أبقت خطوط الاتصال مفتوحة مع تل أبيب، أو عبر تحفيز مجموعات محلية على تبنّي مقاربات انفصالية تتماهى مع التصورات الإسرائيلية حيال مستقبل الجغرافيا السورية.
لكن هذه الرهانات، ورغم ما بُذل في سبيلها من جهود لوجستية وسياسية، اصطدمت بجدار صلب من الرفض الشعبي والوطني، إذ أبدت قطاعات واسعة من أبناء الطائفة الدرزية موقفًا مبدئيًا مناهضًا لأي مشاريع تُفضي إلى فكّ ارتباط السويداء عن الإطار الوطني السوري، ولعلّ أحد أبرز المتغيرات التي حالت دون نجاح المخطط الإسرائيلي يتمثل في صعود تيار قومي داخل المحافظة، استطاع، عبر تفاعلات متشابكة، أن يُعيد صياغة المزاج العام في السويداء، بما ينسجم مع مسار الوحدة الوطنية السورية، وفقًا لما صرّح به الماضي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
واستطرد قائلًا إن المرحلة الراهنة أفرزت معادلات جديدة في المشهد السياسي داخل السويداء، حيث لم تعد الطروحات الداعية إلى إنشاء كيان مستقل تحظى بالزخم ذاته الذي تمتعت به في سنوات الفوضى الأولى، لا سيما في ظل التحولات الجيوسياسية التي أعادت رسم حدود التأثير الإقليمي والدولي داخل سوريا، مضيفًا أن تآكل البيئة الحاضنة للأفكار الانفصالية جاء مدفوعًا بتغير في أولويات القوى الكبرى، التي باتت تُدرك أن إعادة تفكيك سوريا وفق أسس طائفية أو مذهبية لم يعد خيارًا واقعيًا في ظل المعادلات الراهنة.
ونوّه الماضي إلى أن بعض الجيوب داخل السويداء تُحاول الإبقاء على هامش مناورة يُتيح لها التفاعل مع المتغيرات الإقليمية بصورة أكثر استقلالية، مدفوعةً إما باعتبارات براغماتية تسعى إلى تحقيق مكاسب آنية، أو بارتباطات خارجية تُحاول إعادة إنتاج مشاريع قديمة بوسائل جديدة، غير أن قراءة التوازنات السياسية الإقليمية والدولية تُشير إلى أن الخيارات الانفصالية لم تعد تمتلك مقومات البقاء، سواء بالنظر إلى تضييق الهوامش الإقليمية التي كانت تتيح لهذه المشاريع مساحة للحركة، أو في ضوء إعادة ترتيب الأولويات داخل المشهد السوري، بحيث باتت مركزية الدولة واستعادة تماسكها المؤسسي تمثل أولوية قصوى لدى الفاعلين الإقليميين والدوليين على حد سواء.
ولفت الماضي الانتباه إلى أن معركة تثبيت السويداء داخل الإطار الوطني السوري لم تُحسم بشكل نهائي، لكن الاتجاه الغالب يُشير إلى أن المحافظة تتجه نحو الاندماج الكامل ضمن الدولة السورية الجديدة، مستندةً إلى تحولات بنيوية في الوعي السياسي المحلي، وإلى إدراك متزايد بأن الخيارات الطائفية أو الجغرافية الضيقة لم تعد قابلة للحياة في ظل التوازنات الإقليمية والدولية الراهنة.

