هذا ما أحدثته القمة العربية داخل إسرائيل... قلق من إجهاض الحلم المنتظر

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الباحث في مركز "تقدم للسياسات" - لندن، أمير مخول إن استجابة إسرائيل على مخرجات القمة العربية اتّسمت بالازدواجية ما بين الرفض العلني المحدود والصمت الرسمي المدروس.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بادر إلى انتقاد البيان الختامي للقمة، زاعمًا أن مخرجاتها تكرّس ما وصفه بـ"الدعم للإرهاب"، في إشارة إلى استمرار التمويل الموجّه لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والسلطة الفلسطينية، مضيفًا أن هناك امتناعًا عن الإدلاء بأي تصريحات رسمية من قبل الدوائر السياسية الإسرائيلية العليا -وخاصة مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى جانب عدم إصدار أي تعقيب من الوزير رون ديرمر، المسؤول عن ملف المفاوضات، في صمتٍ يسعى إلى تفادي تقديم موقف رسمي واضح قبل استكمال المشاورات مع الإدارة الأمريكية، وتحديدًا مع المبعوث الأمريكي ويتكوف، الذي تأجّلت زيارته لإسرائيل عدة مرات في مؤشر على اختلاف تكتيكي بين واشنطن وتل أبيب.

وبيّن مخول أن هناك انشغالًا إسرائيليًا داخليًا، وانحرافًا عن بوصلة الرد العلني، إذ كان الرأي العام الإسرائيلي غارقًا في قضايا أكثر إلحاحًا من القمة العربية، أبرزها تحقيقات جهاز الأمن العام (الشاباك) حول الإخفاقات الأمنية الفادحة في 7 أكتوبر 2023، وعملية انتقال القيادة العسكرية، مع انتهاء ولاية رئيس الأركان هرتسي هليفي وتولّي أيال زمير المنصب، وسط تأكيدات بأن "القضاء على حماس لم يتحقق بعد"، وأن إسرائيل ما زالت منخرطة في حرب استنزاف متعدّدة الجبهات، جنبًا إلى جنب مع حرص نتنياهو على إعادة التشديد على "معركة الجبهات السبع"، في مسعى لاستبعاد أي تحقيق رسمي في أحداث 7 أكتوبر، وهو ملف يشكّل نقطة توتر داخل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم.

ونوّه إلى أن الصمت الإسرائيلي لم يأتِ في فراغ، فقد ترافق مع موقف أمريكي حذر يميل ضمنيًا إلى دعم إسرائيل دون تبنّي موقفها بالكامل، فقد رفض المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي تبنّي خطة إعادة إعمار غزة بصيغتها العربية، مُسوّغًا ذلك بأنها "تتجاهل حقيقة أن غزة غير قابلة للعيش حاليًا"، وأن الفلسطينيين لن يتمكّنوا من العيش في بيئة مدمّرة تملؤها الأنقاض والذخائر غير المتفجرة، متابعًا أن الأهم هو ما تضمنه التصريح الأمريكي من إشارات إلى "توقّع واشنطن إجراء محادثات إضافية مع الدول العربية حول الموضوع"، وهو اعتراف ضمني بجدية الطرح العربي ووزنه على الساحة الدولية، خصوصًا بعد أن لقي ترحيبًا دوليًا واسعًا.


ولفت مخول الانتباه إلى أن القمة العربية أثارت مخاوف إستراتيجية عميقة في الأوساط الإسرائيلية، حيث أن إسرائيل ترى أن تنفيذ المقترح العربي من شأنه أن يقلب المعادلات الجيوسياسية في المنطقة لصالح الفلسطينيين على عدّة مستويات تتمثل في إنهاء نفوذ إسرائيل في إدارة قطاع غزة عبر فرض لجنة مهنية تابعة للسلطة الفلسطينية، ما يقوّض الرؤية الإسرائيلية بإضعاف السلطة وليس تمكينها.
وهناك أيضًا الرهان على دور الأونروا في إعادة الإعمار، ما يضرب في الصميم محاولات إسرائيل الحثيثة لتفكيك البنية القانونية والمؤسسية لحق العودة الفلسطيني، إلى جانب الربط المحوري بين غزة والضفة الغربية، بحيث يصبح القطاع جزءًا لا يتجزأ من كيان فلسطيني موحّد، الأمر الذي يقوّض الاستراتيجية الإسرائيلية الساعية إلى فصل المسارين وتفكيك أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية ذات سيادة، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

واستطرد مخول قائلًا إن تسريبات صحفية كشفت عن مفاوضات مباشرة بين مبعوثين من إدارة ترامب وحركة حماس في الدوحة، حول إطلاق سراح أسير إسرائيلي - أمريكي محتجز في غزة، غير أن هذه المحادثات غالبًا ما تتجاوز العناوين المعلنة لتشمل ملفات أكثر تعقيدًا، مثل: إطالة أمد المرحلة الأولى من الصفقة المستقبلية، والتي من المتوقع أن تشمل تخلي حماس عن إدارة غزة، وهو طرح قد ينسجم مع الخطة العربية أو يتعارض معها تبعًا لصيغة التطبيق، والتفاوض على مستقبل القوة العسكرية لحماس، وهي قضية شائكة تحكمها المصالح الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء.

وذكر أن هذه المحادثات تثير قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، كونها قد تؤدي إلى تفاهمات أمريكية – عربية - دولية تُفضي إلى تسوية لا تتوافق مع المصلحة الإسرائيلية المتمثلة في القضاء التام على حماس، لذا، فإن تل أبيب تراقب هذه التطورات عن كثب، مدركةً أن أي تفاهم أمريكي - عربي قد ينعكس سلبًا على استراتيجيتها العسكرية والسياسية في غزة.
وأكد مخول وقوع إسرائيل بين فكيّ المأزق الإستراتيجي والتحفّظ التكتيكي، إذ يظهر ذلك من خلال وقوف حكومة نتنياهو أمام تحدٍّ إستراتيجي بالغ التعقيد، فالقمة العربية محطة مفصلية أعادت ترتيب الأولويات في المنطقة، عبر طرح رؤية متماسكة لمستقبل غزة والضفة معًا، كما أن الصمت الإسرائيلي الرسمي يعد خيارًا تكتيكيًا متعمّدًا، يعكس الحاجة إلى تنسيق أعمق مع واشنطن قبل اتخاذ موقف نهائي، إلى جانب التباين الواضح بين الرؤية الأمريكية - الإسرائيلية، حيث تدعم واشنطن إسرائيل استراتيجيًا، لكنها قد تمارس ضغوطًا على حكومة نتنياهو للتكيّف مع الواقع الإقليمي الجديد.

واستطرد قائلًا إن الموقف العربي بات أكثر تماسكًا وتأثيرًا، ما يتطلّب خطوات تنفيذية سريعة على الأرض لترجمة مخرجات القمة إلى واقع ملموس، تفاديًا لإجهاضها عبر الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، مضيفًا أن التحركات الفعلية على الأرض ستكون الفيصل في تحديد الاتجاهات المستقبلية.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية