ما الذي يحدث في سوريا؟... السبايلة يجيب "أخبار الأردن"
قال خبير الشأن الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة إن الصراع في المنطقة لم يعد محصورًا في نطاقه العسكري المباشر، فقد دخل مرحلة أكثر تعقيدًا، حيث بات الهدف الأساسي هو فرض صيغ سياسية جديدة تحت ذرائع أمنية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن تصاعد العمليات العسكرية في غزة، وتعثر الاتفاقات المرحلية، يزيد من احتمال نشوب تصعيد جديد قد ينعكس بشكل مباشر على التوازنات الإقليمية، تمامًا كما هو الحال في الضفة الغربية، حيث تعمل إسرائيل على إعادة هندسة الجغرافيا السياسية، من خلال تفكيك المخيمات وفرض تغييرات ديموغرافية تهدف إلى تكريس العزل الجغرافي للقدس عن محيطها.
وبيّن السبايلة أن التغيرات الميدانية في سوريا تتخذ منحى أكثر جذرية، حيث تتحول الترتيبات الأمنية إلى عامل مؤثر في إعادة هيكلة الخارطة السياسية، مضيفًا أن سعي إسرائيل لترسيخ استراتيجيتها الجديدة القائمة على تفكيك الجبهات المحاذية، يتزامن مع الاختبار غير المسبوق لأحمد الشرع (الجولاني)، في ظل تحولات تضيق هامش المناورة أمامه، وتجعل من القبول بالواقع الجديد خيارًا مطروحًا بقوة.
وذكر أن معضلة الجولاني تكمن في التوقيت الحرج الذي يواجه فيه تحديات سياسية وعسكرية متشابكة، فمن جهة، يسعى جاهدًا لانتزاع الاعتراف الدولي، سواء عبر محاولات رفع العقوبات أو بناء قنوات تواصل مع القوى المؤثرة في المشهد الإقليمي، لكنه يصطدم بواقع تتصاعد فيه النزعات الانفصالية داخل سوريا، مما يزيد من تعقيد مهمته.
وأشار السبايلة إلى أن الولايات المتحدة، التي لم تتضح بعد سياستها تجاه سوريا بشكل نهائي، تبدو غير متحمسة لتكرار النهج الذي اتبعته الإدارات السابقة، لكنها في الوقت ذاته لا تبدي استعدادًا لمنح الجولاني فرصة كاملة لترسيخ مشروعه، فيما تواصل إسرائيل، الدفع باتجاه إعادة تشكيل المعادلات الأمنية والسياسية، ما يضع الجولاني أمام مفترق طرق يفرض عليه إعادة النظر في خياراته، سواء عبر البحث عن تفاهمات داخلية أو حتى القبول بصيغ حكم ذاتي قد تفتح أمامه أبواب الاعتراف الدولي، ولو كان ذلك ضمن ترتيبات إقليمية أوسع.
ولفت الانتباه إلى أن إسرائيل تبنّت منذ السابع من أكتوبر، استراتيجية جديدة قائمة على إعادة ضبط الجغرافيا المحاذية لها، ردًا على مبدأ "وحدة الساحات"، الذي كرسته إيران كإحدى ركائز مشروعها الإقليمي، إذ تسعى إسرائيل إلى فرض معادلة جديدة تُعيد تشكيل البيئة الأمنية والعسكرية على نحو جذري.
وفي هذا الإطار، كثفت إسرائيل عملياتها في سوريا، حيث استهدفت البنية التحتية العسكرية بغارات دقيقة تهدف إلى تحييد أي قدرة عملياتية مستقبلية يمكن أن تُهدد مصالحها، كما عززت وجودها في مناطق ذات أهمية استراتيجية، مثل جبل الشيخ والجولان، في خطوة تعكس رغبتها في ترسيخ ترتيبات جديدة تفرض واقعًا يصعب تغييره لاحقًا، وفقًا لما صرّح به السبايلة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وذكر أن سوريا تتجه إلى مرحلة إعادة ضبط لموازين القوة، حيث يتراجع النفوذ الإيراني بشكل ملحوظ بفعل الضربات المتتالية التي تلقاها، فيما تتحرك إسرائيل لتعزيز واقع جديد يخدم مصالحها الاستراتيجية طويلة الأمد، مضيفًا أن خيارات الجولاني تبدو محدودة، إذ لم يعد بإمكانه الرهان على سيناريوهات سابقة، وإنما بات مضطرًا للتكيف مع التطورات الراهنة، سواء عبر تفاهمات داخلية أو من خلال القبول بحلول سياسية بديلة، قد تشمل حتى الانخراط في اتفاقات إقليمية تفتح الباب أمام رفع العقوبات عنه، ومنحه موطئ قدم في "سوريا الجديدة".

