الأكراد... القصة الكاملة لكل ما يحدث
قال الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور عمر الرداد إن القضية الكردية تُعَدُّ واحدةً من أكثر الملفات تعقيدًا في الشرق الأوسط، فمن خلال تتبُّع الامتداد الجغرافي للكُرد، يتّضح أن هذه القضية تُشكّل تحديًا جوهريًا بدرجة رئيسية لكلٍّ من تركيا وإيران، في حين أن بُعدها في العراق وسوريا يظل أقلّ تأثيرًا من حيث المساحة الجغرافية والوزن الديموغرافي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المناطق التي تُعدّ موطنًا تاريخيًا للكُرد تتركّز بشكل ملحوظ في شرق تركيا وشمال غرب إيران، ويمتدّ وجودهم أيضًا إلى بعض جمهوريات آسيا الوسطى، حيث يشكّلون جالية متجذرة تاريخيًا، تمتدّ علاقتها بالإسلام إلى العصور الوسطى، ويُجسّد هذا الامتداد إرثًا تاريخيًا عميقًا، كما يظهر في شخصيات بارزة مثل القائد صلاح الدين الأيوبي ودوره المحوري في الحروب الصليبية وتحرير المسجد الأقصى.
وبيّن الرداد أن هناك تباينًا من حيث التوزيع الديموغرافي، للكُرد وفقًا للمصادر المختلفة؛ ففي تركيا يُقدّر عددهم بأكثر من 16 مليون نسمة، بينما يبلغ عددهم في إيران ما يزيد على 12 مليونًا، وقد وظّفت الأنظمة السياسية في المنطقة هذا الامتداد الكردي أداةً في سياقات الصراع الإقليمي، حيث دعمت كلٌّ من تركيا وإيران الحركات الكردية في الدول المجاورة ضمن إطار صراعاتها السياسية، إذ غالبًا ما اتّخذ هذا الدعم طابعًا عمليًا من خلال توفير السلاح وفتح مكاتب سياسية كجزء من لعبة المصالح الإقليمية وتوازنات القوى، ما حوّل القضية الكردية إلى ورقة مساومة سياسية تُستخدم لتحقيق مكاسب في سياق التنافس الإقليمي.
ونوّه الرداد إلى أن القضية الكردية تُعدّ إشكالية أمنية وسياسية بالدرجة الأولى لتركيا وإيران، إلا أن اللافت هو أن محاولات الحلّ والتسوية تتركّز بشكل أساسي في الدول العربية، وتحديدًا في شمال العراق وشمال شرق سوريا، ففي العراق، تطوّرت تجربة إقليم كردستان إلى نموذج سياسي يتجاوز الحكم الذاتي التقليدي، ويقترب من كيان شبه مستقلّ في إطارٍ فيدراليّ يثير جدلًا مستمرًا حول طبيعة العلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية في بغداد.
أما في سوريا، فإن الوجود الكردي يتركّز جغرافيًا في مناطق مثل الحسكة والقامشلي، وقد شهدت هذه المناطق تحوّلات سياسية وإدارية عميقة بعد الأزمة السورية، ما يجعلها جزءًا لا يتجزّأ من المعادلة الإقليمية المتشابكة، وفقًا لما صرّح الرداد لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
واستطرد قائلًا إن الأنظار تتجه إلى التطوّرات الداخلية في تركيا، خاصةً مع موقف عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، المسجون منذ أكثر من عقدين، وحثه الحزب على إلقاء السلاح والانخراط في عملية سياسية جديدة، ما يعكس تحوّلًا مهمًا في إدارة أنقرة للملف الكردي، بما قد يُمهّد لتفاهمات أكثر استقرارًا داخل تركيا، مع احتمالات تأثير ذلك على امتدادات القضية في كلٍّ من العراق وسوريا وإيران، ومع ذلك، تبقى مخرجات هذا المسار مرهونةً بطبيعة التوازنات السياسية الداخلية والخارجية.
وتابع الرداد أن جذور الأزمة الكردية ترتبط إلى حدٍّ بعيد بفشل الأنظمة السياسية في المنطقة في تأسيس نظم ديمقراطية حقيقية تستند إلى مبدأ المواطنة المتساوية، إذ لو توفرت العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية، لما نشأت مشاعر التهميش والهويات الفرعية التي تُغذّي النزعات الانفصالية، وهو ما يمكن الإشارة من خلاله إلى اتفاقية لوزان عام 1923 بوصفها لحظة مفصلية حرمت الكُرد من إقامة دولة قومية مستقلة، ما أدّى إلى ترسيخ شعور بالظلم التاريخي لدى قطاعات واسعة من الأكراد.
وعلى الرغم من أن التعدّدية العرقية والثقافية هي سمة شائعة في العديد من الدول الفيدرالية الحديثة، فإن افتقار الأنظمة في الشرق الأوسط إلى آليات فعّالة لإدارة هذا التنوع أسهم في تعميق الأزمة، فمثلما نجحت الولايات المتحدة في استيعاب التنوّع اللغوي والثقافي داخل إطار قانوني ومؤسسي يضمن المساواة، فإن افتقار الأنظمة الشرق أوسطية لهذه المقاربة عزّز التوترات العرقية، كما أن غياب العدالة والمساواة يُفاقم الإحساس بالاغتراب، ويُعزّز الهويات الفرعية على حساب الانتماء الوطني الجامع، كما ذكر الرداد.
وبيّن أن مقاربة القضية الكردية يجب أن تتجاوز الحلول الأمنية الضيّقة إلى معالجة سياسية شاملة تُكرّس مبادئ المواطنة الكاملة، وتضمن اندماجًا عادلًا للأكراد في الدول التي ينتمون إليها، مضيفًا أن هذه المقاربة تستلزم أيضًا تغييرًا عميقًا في التصورات المجتمعية تجاه الهوية والانتماء، وهو ما يتطلّب إرادة سياسية حقيقية وإصلاحات جذرية تعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمكوّنات العرقية المختلفة، وهكذا، فإن حلّ القضية الكردية يظلّ مرتبطًا بقدرة دول الإقليم على تبنّي نموذج سياسي أكثر شمولًا وعدالةً، يُراعي حقوق المكوّنات كافة، ويُرسي أسسًا دائمةً للتعايش والاستقرار الإقليمي.

