تفجيرات تل أبيب... الاعيب سموتريتش وبن غفير حاضرة

{title}
أخبار الأردن -

قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إن التفجيرات التي شهدتها تل أبيب تبرز بوصفها حادثًا أمنيًا معقدًا حيكت خيوطه خلف الكواليس، بشكلٍ تتقاطع المصالح الأيديولوجية مع الحسابات السياسية لتوجيه الأحداث وفقًا لأجندات معينة. 

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ما يزيد المشهد تعقيدًا هو المؤشرات المتزايدة التي تفيد بأن هذه التفجيرات قد جرت تحت إشراف مباشر من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، في سياقِ توظيفٍ مدروسٍ للحدث بغية إعادة توجيه بوصلة الغضب الشعبي المتصاعد داخل إسرائيل نحو الفلسطينيين في الضفة الغربية، على نحو يُخمد الأزمة الداخلية المتأججة ويمنح الحكومة هامش مناورة أوسع ضمن معادلة الصراع.

وبيّن البستنجي أن ما يعزز الشكوك حول الأيدي الخفية التي حركت هذا التصعيد هو التقرير الصادر عن الطب الشرعي، والذي كشف، بما لا يدع مجالًا للالتباس، أن الجثامين التي سُلّمت اليوم تعود لأشخاص قُتلوا برصاص الجيش الإسرائيلي ذاته، لا نتيجة التفجيرات ذاتها أو عمليات منسوبة للمقاومة الفلسطينية، وهذه الحقيقة، بقدر ما تُعمّق الفجوة بين الحكومة الإسرائيلية وقواعدها الجماهيرية، فإنها توسّع في الوقت ذاته دائرة الشكوك حول المستفيد الحقيقي من هذا الحدث، وما إذا كان القائمون عليه قد سعوا عمدًا إلى خلق بيئة صراع تخدم أهدافًا سياسية محددة.

ولفت البستنجي الانتباه إلى السوابق التاريخية التي يمكن استقراء حيثياتها، مع ما تشير إليه بوضوح إلى أن الشخصيات اليمينية المتطرفة، وعلى رأسها سموتريتش، ليست غريبة عن هذا النوع من التكتيكات التخريبية، فالرجل ذاته سبق أن تورط في أحداث مشابهة، إذ إنه في عام 2005، خلال عملية الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، أقدم على سرقة 700 لتر من الوقود وكان يخطط لاستخدامها في عمليات إحراق واسعة النطاق، بهدف إفشال خطة رئيس الوزراء آنذاك أريئيل شارون للانسحاب الأحادي، واليوم، يعيد التاريخ نفسه، وإن بأساليب أكثر تعقيدًا، إذ يُعارض سموتريتش وحلفاؤه توقيع بنيامين نتنياهو على المرحلة الثانية من الصفقة التي تقتضي وقفًا كاملًا للحرب، ويبدو أنهم يعمدون إلى تفجير الأوضاع أمنيًا بغية إفشال أي مسار يفضي إلى تهدئة حقيقية.

وذكر أن الغاية الأساسية من التفجيرات الأخيرة لم تكن إيقاع خسائر بشرية بقدر ما كانت تهدف إلى خلق قنبلة إعلامية مدوية تُعيد خلط الأوراق وتؤجج الصراع، في سياق يُمكّن اليمين المتطرف من فرض أجندته السياسية داخل إسرائيل، كما يتيح له توجيه الرأي العام الداخلي نحو معركة جديدة تحرف الأنظار عن الأزمات الداخلية المتفاقمة، إذ إن المثير للاهتمام يكمن في التوظيف الذي لم يأتِ بمعزل عن التحولات الجيوسياسية الأوسع، حيث يجري استغلال الظروف السياسية الراهنة، ولا سيما مع عودة دونالد ترامب إلى المشهد الدولي، وما يتيحه ذلك من إمكانية تمرير سياسات أكثر تطرفًا تجاه الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو في غزة.

ونوّه البستنجي إلى أن أحد أخطر التداعيات المحتملة لهذا التصعيد يتمثل في كونه قد يُشكل تمهيدًا لعملية عسكرية واسعة النطاق تستهدف الضفة الغربية ومخيماتها، تحت ذريعة التصدي لعمليات مقاومة مفترضة، وإذا ما وضعنا هذا السيناريو ضمن سياق التصريحات الأخيرة لترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة، فإن المشهد يتكامل ليكشف عن محاولات ممنهجة لتهيئة الرأي العام العالمي لتقبل أي خطوات إسرائيلية أحادية في الضفة، قد تفضي في نهاية المطاف إلى موجة تهجير جديدة تُعيد رسم الخريطة الديموغرافية للمنطقة.

واستطرد قائلًا إن المفارقة الكبرى التي تضعف الرواية الرسمية حول منفذي التفجيرات تتمثل في الأدلة اللغوية التي كشفتها التحقيقات الأولية، إذ وُجدت على بعض القنابل عبارات باللغة العربية، لكن بكتابة ركيكة تكشف بوضوح أن من خطّها لا يجيد العربية، حيث ظهرت أخطاء فادحة مثل كتابة "نصران" بدلًا من "نصر الله"، و"حزبلا" بدلًا من "حزب الله"، و"صنوار" بدلًا من "السنوار"، وهي أخطاء تشير بوضوح إلى أن العملية لم تكن من تخطيط فلسطيني، وإنما جرت عبر جهات إسرائيلية وظفت مافيات مأجورة لتنفيذها، بهدف توفير الغطاء الإعلامي المطلوب لإشعال الوضع.

واختتم البستنجي حديثه بالإشارة إلى أن هناك معارك أخرى تدور داخل أروقة السياسة الإسرائيلية نفسها، يتم فيها استخدام أدوات التفجير والتصعيد وسيلةً لإعادة رسم المشهد الداخلي والخارجي، وبينما تزداد المؤشرات على وجود مخططات لاستثمار هذه التفجيرات في تبرير خطوات تصعيدية أكثر شراسة، تبقى التساؤلات مفتوحة حول مدى قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على كبح هذا المسار قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة.

 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية