ساعة الحسم... التخلي عن زيلينسكي
قال عضو الحزب الجمهوري الأمريكي بشّار جرار إن بروز اسم أوكرانيا، ورئيسها فولوديمير زيلينسكي، يأتي في ظل اتهامات متبادلة بشأن الدعاية الروسية، حيث زُعم أنه كان ضحية لابتزاز مباشر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قيل إنه علّق المساعدات العسكرية لكييف مقابل التزامات محددة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "اخبار الأردن" الإلكترونية أن ترامب عاد ليؤكد حقيقة لا يستطيع حتى أشد خصومه إنكارها، وهي أنه خلال ولايته، كانت الولايات المتحدة تزود الجيش الأوكراني بصواريخ "جافلين"، في حين أن إدارة باراك أوباما لم تقدم سوى مساعدات رمزية لم تتجاوز البطانيات والإمدادات الغذائية، وبعبارة أخرى، لم يكن هناك أي دعم عسكري جاد لكييف في عهد أوباما، الأمر الذي يعكس تناقضًا صارخًا بين خطاب الديمقراطيين بشأن دعم أوكرانيا وسلوكهم الفعلي عندما كانوا في السلطة، مضيفًا أن خسارة أوكرانيا لأراضٍ، لم تحدث في عهد ترامب، إذ لم تندلع أي حرب خلال ولايته، ما يعزز سردية الجمهوريين القائلة بأن الحرب ما كانت لتقع لولا السياسة الانهزامية التي انتهجتها إدارة بايدن.
ولفت جرار الانتباه إلى أنه ليس من المستغرب، توجيه ترامب انتقادات لاذعة لزيلينسكي، متسائلًا: "أين كنتم طوال السنوات الثلاث الماضية؟ ماذا كنتم تفعلون؟"، فالرئيس الأوكراني لم يكتفِ بالتحالف مع إدارة بايدن، وإنما تبنّى نهجها بالكامل، ولا سيما مقولتها الشهيرة: "لا مفاوضات مع روسيا في غياب أوكرانيا"، والتي سرعان ما تحوّلت إلى قاعدة ملزمة تبعها الناتو والاتحاد الأوروبي.
وذكر أن هناك إشكالية أخرى تتعلق بسجل زيلينسكي الحقوقي، الذي أثار جدلًا حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، فعلى الرغم من أن أوكرانيا تحظى بدعم غير مشروط من بعض الكنائس الأمريكية بسبب خصومتها مع بوتين، فإن الواقع يشير إلى أن زيلينسكي اتُهم بقمع الحريات الدينية، حيث أُلقي القبض على كهنة أرثوذكس، كما تدخّل بشكل مباشر في العلاقة بين الكنيسة الأوكرانية ونظيرتها الروسية، بالإضافة إلى ما قد لاحقه من شبهات الفساد على نطاق واسع، لدرجة أن رجل الأعمال إيلون ماسك وصفه خلال الحملة الانتخابية بأنه "أكثر الرجال فسادًا في التاريخ"، فضلًا عن اتهامه بالسلوك الديكتاتوري إثر رفضه إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية رغم انتهاء ولايته الدستورية.
من اللافت، في هذا السياق، أن القوى الغربية التي ترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان التزمت الصمت حيال هذه الممارسات، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول معاييرها المزدوجة، فإذا كان زيلينسكي قد أقدم على قمع المعارضة ورفض الانتخابات، فلماذا لم يواجه الإدانات ذاتها التي وُجّهت إلى أنظمة أخرى حول العالم؟... ولماذا لم يُعرب القادة الأوروبيون والأطلسيون عن قلقهم إزاء تآكل الديمقراطية في أوكرانيا؟، حتى داخل الولايات المتحدة، هناك جمهوريون يتفقون مع رؤية ترامب، الذي لم يدعم زيلينسكي منذ البداية، بل نصحه بالذهاب إلى بوتين والتفاوض معه، إدراكًا منه بأن الناتو والاتحاد الأوروبي يسعيان إلى توريطه في حرب لا يمكن لأوكرانيا أن تكسبها، وفقًا لما ذكره جرار.
وأشار إلى أن زيلينسكي لم يكن إلا مجرد ممثل كوميدي، لم يحظَ بشعبية طاغية، لكنه وقع ضحية أوهام سياسية، فاعتقد أن الغرب سيقف إلى جانبه حتى النهاية، إلا أن تطورات المشهد أثبتت العكس، إذ وجد نفسه وحيدًا في الساحة الأوكرانية، فقد أدرك أن رهاناته لم تكن في محلها، وخلال حملته الانتخابية، حاول ترامب إرسال إشارات واضحة، لكنه قوبل بتجاهل تام، إلى أن حانت لحظة الصدمة في مؤتمر ميونيخ، حيث بدت الحقيقة أكثر وضوحًا من أي وقت مضى: أوكرانيا تُركت لتواجه مصيرها وحدها.
ولفت الانتباه إلى أن ملامح الرؤية الترامبية للعلاقات الدولية بدأت تتضح، والتي تقوم على مبدأ هو: لا مكان للمؤسسات الدولية إذا لم تكن تخدم مصالح الولايات المتحدة، ومن هنا، لم يكن انسحاب ترامب من منظمة الصحة العالمية، أو سحبه الدعم من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلا تعبيرًا عن رؤية استراتيجية ترى أن هذه المؤسسات باتت أدوات للهيمنة أكثر من كونها آليات لتحقيق العدالة.
واختتم جرار حديثه بالقول إنه من غير المستبعد انسحاب ترامب من حلف الناتو، إذا ثبت أنه لا يخدم المصالح الأمريكية، ولعل هذا ما يفسّر تفضيله إقامة تحالفات براغماتية مع قوى مثل المملكة العربية السعودية، التي اختارها كوجهة دبلوماسية بديلة عن العواصم الأوروبية، إدراكًا منه لوجود لغة مشتركة بين الرياض وواشنطن وموسكو، قائمة على المصالح والإنجازات، وليس على حسابات الإعلام أو ضغط الرأي العام الدولي.

